على جانبى شارع طلعت حرب -أهم الشوارع التجارية فى مصر- محلات تبيع الملابس والمصنوعات الجلدية والأحذية، تحمل أسماء علامات تجارية عالمية وبأسعار بسيطة للغاية، مقارنة بالأسعار الحقيقية لهذه العلامات، ولو سألت التاجر: «ده أصلى؟» يرد: «لا.. هاى كوبى»!
والتساؤلات التى تطرح نفسها هنا: مَن صنع هذه المنتجات المقلدة؟ وهل تم تصنيعها فى داخل مصر أم خارجها؟ ومن الذى سمح بدخولها السوق المصرية وتداولها فيه؟
بعض هذه الأسئلة يمكن الإجابة عنها بسهولة، فهذه المنتجات مدون عليها «صنع فى الصين»، وبالتالى تم إنتاجها خارج مصر، وتم استيرادها فى مصر بواسطة مجموعة من التجار، الذين يلعبون دائماً على «الكسبان» بغض النظر عن مَن سيدفع الثمن.
والبعض الآخر من الأسئلة ما زالت مفتوحة، ويصعب الإجابة عنها، خاصة شرعية دخول هذه المنتجات للسوق المصرية وتداولها فيه، ومن المسئول عن ذلك؟
التساؤل الأهم الذى يطرح نفسه أيضاً، وقررت أن أكتب هذا المقال للإجابة عنه، هو: «ما الآثار المترتبة على تقليد العلامات التجارية وتداولها داخل السوق المصرية؟».
وللإجابة عن هذا السؤال، يمكننى رصد مجموعة من الآثار وتحليلها فى النقاط التالية:
أولاً؛ اكتشفت من خلال مسح مصغر أن 80% تقريباً من المنتجات المقلدة داخل السوق المصرية، التى يطلق عليها التجار والمستهلكون مصطلح «هاى كوبى»، منتجة بداخل الصين، وأنه يتم تصديرها للسوق المصرية بطرق شرعية تارة، ومن خلال التهريب تارة أخرى، وبالتالى فتداول المنتجات المقلدة والسماح بوجودها داخل السوق المصرية يدفع لزيادة فاتورة الاستيراد ويؤثر بالسلب على المعروض من النقد الأجنبى.
ثانياً؛ تداول المنتجات المقلدة يؤثر بالسلب على ظهور علامات مصرية منافسة فى سوق هذه المنتجات، لأن الأسهل على المستثمر أن يتجه إلى الصين، ومعه حقيبة تحمل عينات من منتجات أصلية، ويتفق مع أحد مصانع مدينة «كوانزو» الصينية -معقل تقليد المنتجات والعلامات التجارية حول العالم- على تقليد هذه المنتجات واستخدام خامات تعطى جودة قريبة للمنتج الأصلى وبسعر نهائى يمثل 10% تقريباً من سعر المنتج الأصلى، مقارنة باتجاهه لبناء مصانع وشركات واستقدام آلات وعمال وفنون إنتاج، وانتظار الدورات الإنتاجية ووضع خطط للترويج بهدف تحقيق الربح.
وبالتالى فإن السماح بالتداول السهل لهذه المنتجات المقلدة يؤثر بشكل مباشر على الصناعة المحلية، ويحارب أى أفكار استثمارية ببناء علامات مصرية ناجحة فى العديد من المجالات.
ثالثاً؛ انتشار المنتجات المقلدة، وعدم نجاح التشريعات والسلطة التنفيذية فى منع تداولها، أمر يؤثر بشكل مباشر على سمعة السوق المصرية حول العالم، فالشركات الكبرى عندما تدرس الاستثمار فى سوق معينة، تبحث عن قوانين الحماية فيه، وتعامل السلطات فى هذه السوق مع المنتجات المقلدة الذين ينتهكون حقوق الملكية الفكرية للمنتج الأصلى.
وفى حالة اكتشاف تساهل من الحكومة مع هؤلاء المقلدين، يكون قرار الاستثمار فى هذه السوق صعباً للغاية، على اعتبار أنها لا تكفل الحماية الكافية للمستثمر، وأنه حال قدومه لهذه السوق وإنتاجه منتجاً يتكلف مثلاً 100 جنيه وفى حاجة لطرحه بسعر 110 جنيهات، سيجد منتجاً آخر يحمل نفس علامته التجارية، وقريباً فى الشكل والخامات من المنتج الأصلى ويتم تداوله بـ50 جنيهاً فقط، مما سيؤثر بالسلب على مبيعاته، ومستقبل استثماره داخل هذه السوق.
وبالتالى فانتشار هذه العلامات المقلدة، سيدفع لخسارة الاقتصاد استثمارات ضخمة كانت من الممكن أن تأتى للسوق، لو كان هناك أسلوب صارم فى التعامل مع الممارسات غير الشرعية.
رابعاً؛ قد تؤدى المنتجات المقلدة لهروب استثمارات حالية من السوق، أو تصفيتها نتيجة غياب الحماية والمنافسة العادلة، فهناك العديد من المنتجين الذين ينتجون ويبيعون بالوكالة عن المنتج الأصلى، من خلال حقوق منح الامتياز التجارى التى يطلق عليها مصطلح «فرانشايز»، وهؤلاء المنتجون دفعوا عشرات الملايين بهدف الاستفادة باسم العلامات التجارية، مع الالتزام بمعايير معينة فى الإنتاج والتسويق، الأمر الذى ينتج عنه منتج بتكلفة عالية نسبياً، تضاهى خامته والعلامة التجارية التى يحمل اسمها.
وفى حالة تداول هذا المنتج بأقل من ربع ثمنه الأصلى، ستحدث منافسة غير عادلة وانتهاك مباشر للحقوق، مما قد ينتج عنه هروب أو تصفية للاستثمار الشرعى، الذى يؤدى مدفوعاته للدولة، ويصنع فى مصر باستخدام عمال وخامات محلية.
وبالتالى نحن أمام توجه لا مفر منه، بضرورة مكافحة ظاهرة «التقليد» سواء كان فى الداخل باستخدام «مصانع بير السلم» أو فى الخارج باستخدام «العبقرية الصينية»، لأن نتائج هذا التقليد تنعكس بشكل كبير على الاقتصاد من خلال ظواهر سلبية متعددة ذكرت منها فى هذا المقال جزءاً، ويبقى الكثير الذى يمكن الكشف عنه بالبحث والتحليل.