س: هل تستخدم بعض الدول والمنظمات معايير حقوق الإنسان من أجل تحقيق مصالح سياسية خاصة بها؟
ج: نعم بكل تأكيد. منذ تبلور مفهوم حقوق الإنسان، وتم إرساء معاييره المستقرة عبر الاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية، لم يتوقف عديد الدول والمنظمات عن التلاعب به، واستغلاله من أجل الضغط على دول أخرى لتحقيق مصالح خاصة.
س: وكيف يتم التلاعب بهذه المفاهيم ذات الوجاهة والاعتبار، رغم ما تحظى به من توافق والتزام ووضوح؟
ج: الإجابة بسيطة. عبر الازدواجية، واستخدام المكاييل المتعددة. تلجأ هذه الدول إلى آليات صيانة حقوق الإنسان الدولية الرسمية، أو إلى الفضاءات الحقوقية غير الرسمية، وتبدأ فى اختيار بعض الوقائع المتقاطعة مع مفاهيم حقوق الإنسان المستقرة، وتحولها إلى شكاوى أو مطالبات، وتروج لها عبر وسائل الإعلام، وتقيم من أجلها المؤتمرات والندوات، وتصدر بشأنها البيانات والتصريحات، وتحولها إلى قضية رأى عام دولى.
س: ولماذا لا تتم مواجهة هذه الدول والمنظمات المراوغة وغير الملتزمة بمفهوم حقوق الإنسان، عبر فضح ممارساتها غير المسئولة، وتوضيح أغراضها المشبوهة؟
ج: يتعلق الأمر بفكرة آليات حماية حقوق الإنسان نفسها. وهى فكرة تمت ترجمتها فى عدد كبير جداً من الآليات المعقدة، بعض هذه الآليات يحظى بوضع أممى رسمى، وبعضها الآخر ينتمى إلى القطاع غير الرسمى، وهو قطاع غير هادف إلى الربح، لكن آليات تمويله يشوبها الغموض أحياناً، وكثيراً ما تنطوى على ثغرات يمكن من خلالها تطويعها لخدمة مصالح الممولين.
ولأنه لا توجد قدرة متاحة لأى كيان بعينه، لكى يتمكن من رصد كل الانتهاكات التى تقع ضد حقوق الإنسان، وإثباتها، والمطالبة بالتحقيق فى شأنها، وإنزال العقوبات بالمتجاوزين، فإن فكرة الحماية تبقى رهينة لوجود شكاوى موثقة يمكن الاعتداد بها، من أجل تفعيل عملية الإعلان والمساءلة والمحاسبة.
الشكوى المعلنة والمثبتة هى جوهر عملية حماية حقوق الإنسان.
وهنا يمكن أن نجد فرصة وخطراً فى آن واحد. فرصة لكل من يقع فى حقه انتهاك بأن يرفع صوته بالشكوى، فتتحول شكواه إلى قضية تتفاعل معها آليات الحماية، وخطر فى أن يتم ادعاء الشكاوى، أو تضخيمها، أو التلاعب بها، أو التركيز عليها ومنحها مساحة أكبر من حجمها الحقيقى من أجل خدمة غرض سياسى.
س: وهل تتعرض مصر لمثل هذه الاستهدافات؟
ج: نعم، بكل تأكيد. مصر تمر بأزمة حقوقية، خصوصاً منذ اندلعت الانتفاضة فى يناير 2011. لا توجد دولة فى العالم يمكن أن تمر بما مرت به مصر خلال السنوات التسع الفائتة من دون أن تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، فقد تمت الإطاحة برئيسين، واندلعت تظاهرات مليونية، وتفاقمت التهديدات الإرهابية، وظهرت جماعة أرادت أن تخطف الحكم باستخدام دعم وتمويل دوليين، معتمدة على خليط من الدعاية السوداء، والأعمال الإرهابية، وأنساق التأثير الجماهيرى الملتبسة، ولم تتوقف عند هذا الحد، بل إنها استعانت بعناصر خارجية مسلحة، واستهدفت رجال الشرطة والجيش والمسيحيين ودور العبادة والمدنيين فى عمليات شهدها العالم أجمع.
ورغم أن مصر تمر بأوقات صعبة، فإنها ما زالت دولة قاعدة ومحورية فى الإقليم. ما زال لمصر هذا التأثير الكبير الذى يتعدى حدودها، وهو أمر يغرى باستهدافها، ويظل المجال الحقوقى أحد المجالات الرخوة التى يمكن من خلالها النفاذ إليها والتأثير فيها من قبل دول ومنظمات عديدة.
س: وما أبرز مظاهر هذه الاستهدافات؟
ج: مع الإقرار بأن مصر تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، مثلها مثل كثير من دول العالم بما فيها الدول الكبرى التى تُصنف باعتبارها ديمقراطية ورشيدة، فإن مظاهر الاستهداف المغرض لها تظل واضحة، ومن بينها ادعاء انتهاكات لم تحدث أصلاً، وإعلاء مطالبات مصطنعة فى بعض الأحيان، وهجمات عبر وسائل الإعلام تستخدم أنماط انحياز واضحة، والمبالغة والتضخيم فى التجاوزات الحقوقية، ومحاولة جر الدولة إلى محاسبة ذات طابع أممى، عبر آليات المساءلة التى توفرها منظمة الأمم المتحدة، وتشويه سمعتها، وتقديمها إلى العالم بوصفها دولة جور وانتهاكات منهجية لحقوق الإنسان.
س: وما خطورة هذه الاستهدافات؟
ج: تنطوى هذه الاستهدافات على مخاطر كبيرة، فهى تشوه صورة الدولة، وتشيطن عمل الحكومة، وقد تتطور إلى عقوبات معنوية ومادية موجعة، وهى ذات تأثيرات سلبية فى قدرة الدولة الاقتصادية والثقافية، وخصم مباشر من صورتها الذهنية، والأهم من كل ذلك والأخطر حقيقة أنها تديم الضغوط على القيادة السياسية، وتحد من قدرتها على مواجهة بعض الخطط الضارة بالمصلحة الوطنية أحياناً.
س: وهل مصر تعانى وحدها فى هذا المضمار؟
ج: لا طبعاً. ربما لا يوجد من يمكن أن يأمن تماماً من هذه الاستهدافات. ألم نقل إن هذه الآليات أممية ومستقرة وذات وجاهة واعتبار، وإن بعضها ذو طابع خاص تمثله جماعات ومنظمات غير رسمية؟ بسبب هذه الطبيعة، فإن الكل يمكن أن يكون موضوعاً للاستهداف. مصر نفسها تستخدم هذه الآليات أحياناً، وتنتقد بعض الممارسات فى دول كبرى باعتبار أنها تنطوى على إساءة لحقوق الإنسان، وفى بعض الأوقات تلجأ إلى هذه الآليات نفسها من أجل إعلاء مطالبة أو شكوى أو مساءلة ضد دولة ما.
س: وما الحل؟
ج: الحل يأتى من خلال استعراض الإجابات عن الأسئلة السابقة، واستخلاص إفادات مركزة منها، يمكن من خلالها أن نطور استراتيجيتنا للخروج من هذه الأزمة، وتحسين أوضاعنا حيال حقوق الإنسان، وسلب القوى المعادية، بأنواعها، الفرص التى يمكن من خلالها أن تستهدفنا وتوقع الضرر بمصالحنا.
أولاً: لدينا مشكلة حقوق إنسان، تتمثل فى بعض الانتهاكات والتجاوزات، التى يجب أن نرصدها، ونحللها، ونطور آليات وسياسات رشيدة للحد منها بدرجة كبيرة، طالما أن هذه الآليات والسياسات لن تؤثر فى قدرتنا على مواجهة الإرهاب أو تلحق الضرر بأمننا القومى.
ثانياً: يجب ألا نجعل من موضوع حقوق الإنسان مدخلاً لابتزاز حكومتنا أو الضغط عليها، عبر تعزيز قدرتنا على استخدام آليات حقوق الإنسان الدولية للدفاع عن أنفسنا، ومواجهة خصومنا.
ثالثاً: أسهل طريقة لمواجهة الاستهدافات الحقوقية لدولتنا أن نجعل حقوق الإنسان أولوية وطنية، وأن نعززها بالشكل الذى لا يخصم من قدرتنا على مواجهة الضغوط الأمنية والسياسية.