فى تطور أعتقد أنه ينبغى تثمينه.. وجّه السيد الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى اجتماع مع وزيرى التعليم العالى والصحة بدراسة تخريج دفعات استثنائية من كليات الطب خلال الأعوام القادمة.. كما وجّه بدراسة زيادة أعداد المقبولين من الطلاب فى كليات الطب الحكومية.. فى ظل العجز الشديد الذى تعانيه المنظومة فى أعداد الأطباء خلال الفترة الأخيرة..!
ورغم تحفظ الكثيرين -وأنا منهم- على تلك الحلول لأزمة نقص أعداد الأطباء لأسباب كثيرة تتعلق بجودة التعليم المستهدفة فى كليات الطب.. أو بصعوبة وضع تصور لدفعة «استثنائية» فى تلك الكلية الصعبة تحديداً.. إلا أننى مؤمن بأن الاعتراف بالمشكلة هو السبيل الأول والخطوة الأهم لعلاجها..!
الفكرة أن المراقب للأمر سيكتشف أن المشكلة ليست فى عدد الخريجين بالمرة.. ففى خلال الفترة من 2014 حتى 2018، بلغ أعداد الخريجين من كليات القطاع الطبى نحو 47 ألف خريج.. كما تمتلك مصر 30 كلية طب من بينها 20 كلية حكومية، و3 كليات طب خاصة، وكلية طب تابعة للقوات المسلحة، إضافة إلى 6 كليات طب تابعة للأزهر، فضلاً عن وجود 33 كلية طب أسنان، و43 كلية صيدلة، و15 كلية علاج طبيعى. وهى أرقام ليست بالقليلة بأى حال.. ولا يمكن أن تنتج عنها أزمة كتلك التى نعانى منها فى الأيام الأخيرة..!
نعم.. لا تعانى المنظومة الطبية عجزاً فى أعداد الخريجين.. ولا فى تأهيلهم وتدريبهم كما يدعى البعض.. المشكلة الحقيقية تكمن فى تسرّب الأطباء من العمل الحكومى بالوزارة وتوجّههم للعمل فى القطاع الخاص أو فى الخارج، وتحديداً فى دول الخليج، لأسباب واضحة للجميع.. أولها ضعف المقابل المادى.. وليس آخرها تدنى مستوى بيئة العمل..!
ولمَ لا والطبيب يعانى منذ تخرجه من ضعف شديد فى المقابل المادى الذى يتقاضاه، مقارنة بالمجهود الذى يبذله.. وبالمقارنة بنظيره فى كل دول العالم.. ففى دراسة طريفة لمتوسط دخول الأطباء حول العالم تكتشف أن ساعة عمل الطبيب المصرى أقل من سعر دقيقة عمل نظيره فى دول الخليج.. وأقل من «ثانية» عمله فى الدول الغربية.!!
إن الأزمة الحقيقية هى أزمة توجيه وتنظيم فقط.. فما يتم رصده من ميزانية فى باب الإنشاءات على سبيل المثال يكفى لرفع قيمة بدل العدوى للأطباء الذين يحاربون منذ أعوام طويلة لتنفيذه ولا يستطيعون.. وما تم إنفاقه فى القضاء على قوائم الانتظار كان يكفى ويزيد لتجهيز وإعادة تأهيل أكثر من مائة مستشفى.. ورفع كفاءة العمل بها بعد أن يتم تحسين بيئة العمل ذاتها.. الأمر الذى كان سيضمن الاستمرارية فى القضاء على قوائم الانتظار فى تلك المستشفيات.. فضلاً عن أننا سنتمكن من إدراجها فى منظومة التأمين الصحى بعد ذلك عند تطبيقها..!
إن الطبيب المصرى له قيمته ووزنه فى معظم دول الخليج.. وعدد لا بأس به من دول العالم.. ليس لمستواه المهنى فحسب.. وإنما بسبب مثابرته وقدرته على العمل لساعات أطول من نظيره فى دول كثيرة.. الأمر الذى يجعله أكثر جذباً.. ويجعل مغريات تركه للوطن والبحث عن فرصة عمل بالخارج أكبر بكثير..!
إذا كنا نبحث عن توفير الطبيب.. فلنوفر له ما يكفيه من مقابل مادى مرتبط بحجم العمل الذى يقوم به.. ولنوفر له بيئة عمل مناسبة من أجهزة ومستهلكات وإقامة.. ولنوفر له تعليماً وتدريباً منتظماً فى منظومة إدارية أكثر يسراً وسهولة..
إن كنا نبحث عن نظام صحى منضبط.. فلنبحث عن الطبيب قبل أن نلهث وراء المرض..!