ما كان حديثنا فى المقال السابق عن حال الأسرة المصرية وما آلت إليه إلا انعكاساً لسوء الأخلاق وانهيار السلوك المستقيم فى المجتمع ككل وعلى كافة مستوياته -إلا من رحم ربى- وقد وصل الحال بالمجتمع المصرى من تردى الأخلاق إلى أن تحقق فيه قول أمير الشعراء:
وإذا أصيب القوم فى أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتماً وعويلاً
فكيف الحال بالقاهرة وأهلها فى زماننا هذا؟! هل يوجد أى وجه الآن نستطيع أن نقارب به بين الوضع الآن وبين ما كان عليه من قبل؟ فهل لا تزال القاهرة هى أجمل عواصم العالم وشوارعها وميادينها مضرب المثل للدانى والقاصى فى الجمال والرقى؟ وهل احتفظ أهلها بأخلاقهم الحسنة ورقى سلوكهم؟ هل القاهرة الآن هى قبلة الناس من كل حدب وصوب؟ كيف الحال الآن بالأخلاق والمعاملات فى بلد الأزهر الشريف، هل لا تزال انعكاساً حقيقياً لتعاليم الدين الإسلامى والسنة النبوية المطهرة؟!
فقد ظن البعض أن الدين هو أداء الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وستر العورات الجسدية فقط، وتناسوا أن حسن الخلق هو من الدين أيضاً، وقرأوا القرآن الكريم وسمعوه ولكنهم لم يفقهوا الآيات الجامعة لمكارم الأخلاق الآمرة بها؛ فلم يعملوا بقوله تعالى { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِى السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ }آل عمران (134)، { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} الشورى(43)، { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } الحشر (9)، فى خلق الكرم، وكظم الغيظ، والعفو، والإحسان، والصبر، والإيثار.
ولم يتحلوا بما جاء فى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة (119)، وقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود} المائدة (1)، {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً} الإسراء (34)، وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} النساء(58}، وقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} النور(30) فى خلق الصدق، والوفاء بالعقود، والعهود، والأمانة، والعدل، وغض البصر.
ولم يمتثلوا فى تعاملهم لأمر الله فى قوله تعالى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} النساء (86)، وقوله تعالى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيراً} الإسراء (23، 24)، وقوله تعالى {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} الإسراء (35)، فى خلق إفشاء السلام، وبر الوالدين وحسن التعامل معهما، وعدم الغش.
ولم يتجنبوا كل خلق سيئ نهاهم الله عنه فى محكم آياته: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدهُ } الإسراء (34)، و{َلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} الإسراء (36)، {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور} الحج(30)، و{وَلا تَمْشِ فِى الأَرْضِ مَرَحاً} الإسراء (37)، و{لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ} الحجرات (11)، و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} الحجرات (12)، و{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً} الإسراء (29) و{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} البقرة (264)؛ فتفشت الأخلاق السيئة من أكل مال اليتم، والكذب وقول الزور، والاختيال والكبر، والغرور، والسخرية من الناس واحتقارهم، وسوء الظن، والتجسس، والغيبة، والبخل، والتبذير، والمن بالصدقة.