عندما تشدو سيدة الغناء العربى محدثة الحبيب وهى فى حالة حب وذوبان وانصهار واندماج من شدة الحنين والأشواق وآلام البعاد وربما قسوة الهجر أو الذكريات وصورها التى تضغط بشدة على الجسد والروح معاً، فتقول (كان لك معايا أجمل حكاية فى العمر كله)، فإن الكلمات تخرج من بين دقات قلبها المتسارعة فى تأنٍ واضح ومؤثر فى وقعها على المستمعين، وتظهر فيها واضحة جلية دفقات الدماء متجهة للأوردة والشرايين وكأنها صدى لذلك الصوت العبقرى المحمل بالمشاعر بجميع أنواعها مهما كانت متناقضة أو متشابهة أو متصارعة، حيث تحمل أوكسيد الحياة والخلود وتحوله لطاقة إيجابية تصبغ الكلمات بألوان بديعة وتطيل زمنها أو تخطفها بسرعة أو تشددها أو تكسرها أو تضمها ضمة قوية لا تستطيع منها فراراً، فيصيبنا جميعاً انبهار مختلط بالنشوة، والانبهار هو السر وهو مفتاح الأبواب المغلقة والطريق للقلوب ومن قبلها العقول، ففى البداية لا بد من التساؤل والدهشة وحب الاستطلاع والذهاب لأبعد من ذلك الذى قد يصل للتعجب وينقلنا بالتالى له، ويحدثنا الأدب الشعبى المصرى فى العديد من أعماله الشهيرة عن إبهار البطل وتربعه على قلوب النساء ووصوله للقمة والخلود بسبب أعماله اللافتة للأنظار، التى تأتى خارجة عن الطبيعة ومعدلاتها وقوانينها، ولعل أخلد مثال لهذه الكلمات ما فعلته شهرزاد مع شهريار فى أشهر سلسلة للأدب الشعبى عندما تعمدت إشغاله يومياً بقصة جديدة يندمج مع أحداثها وأبطالها ويتعلق بها وينتظر نهايتها فلا يقتلها كزوجاته اللاتى سبقنها لتسجل فى التاريخ الأدبى بل والتكتيك العسكرى أجمل خطة نسائية للسيطرة والخلود والحب والحياة بمفتاح (الإبهار)، حتى إن أحد الأعمال الفنية التليفزيونية التى حملت اسمها كانت أغنية التتر الخاص بها تقول لشهرزاد (خلى عقله دايماً فى حالة انبهار)، وفى أيامنا كثيراً ما نقابله فى صور متعددة ومختلفة، فقد انبهر أحمد رامى بصوت أم كلثوم فأبدع فى اختيار الحروف والكلمات والوقفات واللزمات وبحور الشعر، فكان الثنائى الذى وصل نجاحه للسماء، كما انبهر إبراهيم ناجى بجمال حبيبته فكتب لها قصيدة (الأطلال)، التى تتناقلها الأجيال بحثاً عن العشق بين حروفها ويتفحصها ويتفهم التوريات فيها دارسو اللغة العربية والترجمات الشعرية، ويدندن بكلماتها الجميع، أما نزار قبانى فقد حوله انبهاره بجمال ومشاعر والحياة الناعمة الحنونة الغنية الدافئة مع (بلقيس) حبيبته وزوجته إلى أشهر شعراء الحب والرومانسية، حتى بعد أن رحلت عنه ظل إبداعه لها، ويكفى أن نقرأ ترجمته للانبهار بجمالها عندما قال (سيدتى التى تمر كالدهشة فى أرض البشر) و(وإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمت فى حرم الجمال جمال)، وفى عالم الفلسفة توجد تعبيرات لغوية تعبر أيضاً عن الانبهار، فيقولون (إن القمر يبهر النجوم أى يغمرها بضوئه) (وإن الشمس بهرت البقاع والسهول أى أضاءتها وأشاعت الدفء فيها)، أما الأعمال الدرامية فإن البطل فيها يبهر جمهور المتفرجين، أى يدهشهم لدرجة الحيرة، وإذا أبهر الفتى أقرانه فهذا يعنى أنه غلبهم وفاقهم وتفوق عليهم، وكذلك الحال مع النساء فإذا قيل عن امرأة أنها بهرت صديقاتها، فالمعنى هو أنها غلبتهن حسناً.
وعن نفسى أقول لكم أحبتى إن الانبهار له دور كبير فى حياتى فقد بهرنى حب الخير والعطاء ومردوده اللحظى والآجل والوعود السماوية به، فتعلمته من المحيطين وبهرتنى الأوراق والأقلام والكلمات فكان عشقى للكتابة والعمل بها، وعندما رأيت ردود أفعال المعجبين بالفن والإبداع والرسم والألحان والغناء والدراما والعلوم قضيت حياتى وما زلت أحاول الاقتراب من أى منها لأتذوق تلك المشاعر الراقية. فهيا أصدقائى وأحبائى أبهروا من حولكم والدنيا كلها بما لديكم لتعيشوا دائماً فى حالة انبهار.