ذهب للدراسة فى بريطانيا، رأى جميع المحلات تغلق أبوابها فى الثامنة مساءً دون استثناءات، والشوارع تعج بالحركة والنشاط من الخامسة صباحاً، حزن على أمة دعا لها الرسول بالبركة فى بكورها ومعظم شبابها يسهرون الليل على المقاهى وفى التوافه مع الشيشة والحشيش وأقلها الدخان، ويستيقظون عصراً مكتئبين. علم أن مترو وباصات لندن لم تتأخر عن موعدها طوال 50 عاماً إلا لدقائق تم تعويض الركاب عنها. ذهب لجامعة أكسفورد ذُهل لحصول 27 من خريجيها على نوبل، أما كمبردج فحصادها من نوبل 89، فضلاً عن أشهر العلماء. حزن لأن أقطاراً عربية لم تحصد نوبل واحدة وفيها مئات الجامعات. تذكر ما كان يحدث فى بعض جامعات العرب من تزوير الرسائل العلمية أو شرائها من مكاتب متخصصة فى بيع الرسائل، طابور من النابهين عملهم الوحيد كتابة الرسائل وبيعها لطلاب الدولار. رأى المدارس البريطانية ذهل من جودتها وجمالها، الفصل فيه عشرة طلاب، ولكنه يخرج العلماء والأدباء والوزراء والساسة، قالوا له إن تريزاماى تخرجت فى مثل هذه الفصول، سألوها وهى صغيرة: ما أمنيتك؟ قالت أتمنى أن أكون رئيسة للوزراء، لا يستطيع طفل عربى أن يتمنى ذلك، فأقصى أمنيته أن يعيش ويأكل ويبيت مستوراً.
سأل عن مكتبة جامعة أكسفورد قيل له: فيها 8 ملايين مادة تغطى مسافة 117 ميلاً من الرفوف، وموظفوها 400، وجد كل الكتب العربية الثمينة، نظر إليها قائلاً: أنتم هنا فى أمان، ستُحرقون إذا جئتم إلى بلاد مثل اليمن أو ليبيا أو العراق.
سأل عن شوارع لندن فقيل له: لم يغيروا رصيفاً ولا لوناً ولم يغيروا بلاطاً فيها منذ قرابة 300 سنة.
حزن على التكسير الدائم حتى فى أفضل شوارعنا وكلما جاء محافظ لا هم له سوى تغيير البلاط بأسوأ منه.
عجب لأمة تختار شاباً فقيراً أسمر من أصول باكستانية ووالده كان سائقاً بالنقل العام وتفضله على بريطانى ملياردير أبيض، هكذا تجدد الأمم نخبتها، أدرك قيمة عمدة لندن واستقلاله عن الحكومة، لم يرَ له ولا لوزير موكباً، رأى بعضهم يركب الترام والباص وينتظرونه مع الآخرين.
ذهل حينما عزلوا كولونيل فى البحرية البريطانية استخدم مرة سيارة العمل فى نزهة مع أولاده رغم كفاءته وشهرته.
رأى اهتماماً هائلاً بلغتهم، تذكر أن فى بلاد العرب من يتباهى بالتحدث بلغة أجنبية، تذكر السفير والوزير والبرلمانى والقاضى وأستاذ الجامعة فلان وهو لا ينطق جملة عربية سليمة أو يهدم أبسط قواعد النحو على رأس سيبوبه، لغة الأنبياء والمرسلين ولغة القرآن كادت أن تندرس.
رأى كل صحيفة لها مذاق خاص وحريات واسعة تَذكَّر الصحف فى بلاد العرب، كل الصحف فى القطر نسخة واحدة، حزن حينما رأى الإعلام العالمى يذكر تقارير الصحف البريطانية باستمرار دون أن يذكر مرة تقريراً من صحيفة عربية أو يشيد بتحقيق أو مقال نشر فيها، لهم الحق فهى لا تحمل جديداً.
هالَه تماسك الأسرة هناك والتدقيق فى اختيار الزوج عكس ما تصور، فحزن لشيوع الطلاق فى بلاده حتى ضرب أرقاماً قياسية.
سمع نقاشات البرلمان فرثى فى نفسه حال برلمانات العرب التى هى أقرب للموت.
تذكر هذه البلاد وما فيها من دقة ونظام وعدل ورحمة لأهلها، وكيف أنها لم تصدر للشرق العربى والإسلامى سوى التفرق وتمزيق الدول والاحتلال والظلم والهضم.
تذكر كيف أهدت بريطانيا فلسطين غنيمة باردة للإسرائيليين، فمنحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون.
تذكر احتلالهم لمصر ونصف بلاد العرب قرابة سبعين عاماً دون اعتذار أو تعويض.
تذكر احتلالهم للعراق مع أمريكا بكذبة كبيرة، لم يعتذروا عنها رغم قتلهم لقرابة مليون عراقى، عجب للوجه الجميل لشعوبهم والقبيح لبلاد العرب، هناك وجهان، للسياسة وجهها القبيح وللشعوب وجهها الناصع.