مع كل عملية إرهابية تحدث، مع كل كارثة أخلاقية نفاجأ بها، مع كل مظهر من مظاهر التدين الكاذب.. يجب أن نسأل أنفسنا: ما الذى قادنا إلى هذا؟ يجب أن نسأل أنفسنا مَن المسئول؟
يجب أن نقدم «جردة حساب» لما يقرب من نصف قرن من عمر هذا المجتمع، ونسأل: مَن الذى صاغ الخطاب الدينى الذى استهلكه الناس طوال كل هذه السنوات؟
وهل قدم لهم بضاعة صالحة دفعت هذا المجتمع للأمام؟ أم بضاعة فاسدة كما تدل النتائج؟
يجب بكل صراحة أن نحاسب الذين صاغوا الخطاب الدينى الذى استهلكه المصريون على ضوء النتائج التى تحققت على الأرض، يجب أن نسأل أنفسنا عن الدعاة الذين أتيحت لهم فرص السيطرة على عقول الناس وقدموا لهم على أنهم دعاة معتدلون وهل كانوا دعاة معتدلين فعلاً أم أنهم تظاهروا بذلك.. يجب أن نسأل أنفسنا بشجاعة وتجرد: هل كان داعية مثل الشيخ الشعراوى داعية معتدلاً فعلاً؟ وهل أسهمت فتاواه فى تقدم المجتمع للأمام أم فى عودته للخلف؟ والأهم هل درسنا هذه الفتاوى؟هل قيّمناها تقييماً متجرداً من الهوى والعواطف؟ هل درسنا أثرها على حاضر المجتمع وقتها ومستقبله بعد ذلك؟وهل قدم الشيخ الشعراوى لنا طبعة مصرية من الإسلام أم أنه قدم لنا طبعة سعودية متأثرة بعوامل السياسة وقت بدء نجوميته، وتحوّله إلى إحدى مفردات الحياة المصرية فى أوائل السبعينات؟ وإذا كان ما قدمه لنا الشيخ شيئاً جيداً، فلماذا وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن؟ لقد أتيح للشيخ الشعراوى أن يؤثر فى جموع المصريين بأكثر مما أتيح لأى مصرى آخر فى التاريخ، فماذا كانت النتيجة؟وهل هى إيجابية أم سلبية؟ وإذا كانت سلبية، فهل نملك الشجاعة الكافية لأن نتوقف ونحاكم هذه الفترة كلها، أم أننا سنظل نرتدى طاقية الإخفاء الوهمية ونظن أن أحداً لا يرانا.
إن نفس ما ينطبق على «الشعراوى» ينطبق على داعية آخر مثل الشيخ محمد الغزالى الذى طالما قُدم لنا على أنه داعية معتدل، فى حين أن التاريخ يقول إنه أكثر من روّج لأفكار الإخوان المسلمين والدولة الإسلامية من على ساحات المنابر وأنه ترك الجماعة ولم يترك أفكارها وأنه صاحب الفتوى برِدة فرج فودة وبأن قاتليه لا يحاسبون على قتله، ولكن على الافتئات على السلطة وقتل «فودة» بدلاً منها.. التاريخ يقول أيضاً إن «الغزالى» كان الحاضنة التى حملت أفكار الإخوان ولقنتها للطلاب فى بدايات سبعينات هذا القرن والذين أفرزوا ما سمى بالصحوة الإسلامية وأسميه أنا (الصحوة الكاذبة)، فمن منا يملك الشجاعة الكافية للتوقف والحساب والمراجعة؟
الواقع الذى نعيشه حالياً يقول إنه ليس أمامنا مفر من التوقف والحساب والمراجعة وإنه ليس أمامنا بديل سوى محاكمة الماضى بشجاعة وشرف.. هذا إذا كنا نريد مكاناً فى المستقبل.