بخطوات متسارعة وواعية ومدروسة، استطاعت مصر فى أقل من خمس سنوات استعادة مكانتها -المستحقة- كقوة إقليمية ذات وزن وثقل، وأصبحت رقماً مهماً فى أى معادلة سياسية كانت أو اقتصادية، ليس على مستوى منطقتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط فقط، ولكن على المستوى الإقليمى الأوسع ليشمل أيضاً منطقة حوض البحر المتوسط شمالاً، وقارة أفريقيا بأكملها جنوباً.
وقبل شهور طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى، مع توليه رئاسة الاتحاد الأفريقى، رؤية مصر للنهوض بالقارة السمراء التى تمتلك نحو 90% من احتياطيات الموارد فى العالم، وكانت الرسالة واضحة تماماً فى التأكيد على أن مصر التى قادت تحرر القارة من الاستعمار فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، ستقودها فى عهد عبدالفتاح السيسى للتحرر الاقتصادى أيضاً.
تدرك القيادة المصرية تماماً أن هدف التنمية المنشود لا يمكن أن يتحقق بداهة فى ظل مناخ إدارى فاسد، يفتقد النزاهة والشفافية، وقبل خمس سنوات أطلقت مصر استراتيجية مكافحة الفساد وفق خطة قومية تولت تنفيذها بنجاح واضح هيئة الرقابة الإدارية لتحقيق الهدف الرئيسى وهو التخلص من الفاسدين -والمفسدين- بالدولة لتحقيق التقدم، والنمو بالمعدلات المستهدفة والمأمولة، ولأن الإرادة السياسية متوافرة وداعمة لهذا التوجه تحققت نتائج ملموسة رصدتها منظمة الشفافية الدولية التى قفزت بترتيب مصر 12 مركزاً خلال عام 2018 فى مؤشر مدركات الفساد (CPI) الذى يصدر سنوياً عن المنظمة.
اليوم تنقل مصر خبراتها إلى الأشقاء الأفارقة عبر المنتدى الأفريقى الأول لمكافحة الفساد الذى تستضيفه شرم الشيخ بمشاركة 51 دولة وأكثر من 200 أفريقى.
حدث بلا شك مهم فى توقيت أكثر أهمية، فى ظل تقارير دولية تؤكد أن معدلات الفساد فى أفريقيا هى الأعلى عالمياً، وبتكلفة تصل إلى 50 مليار دولار سنوياً، بخلاف التدفقات المالية غير القانونية إلى خارج القارة، عبر شركات متعددة الجنسيات، وتجارة الأسلحة والمخدرات، وحتى التجارة فى البشر، التى تقدر بنحو 90 مليار دولار سنوياً، ووفقاً لتقرير صادر عن البنك الدولى، فإن الفقراء (وما أكثرهم فى أفريقيا) هم من يتحملون التكلفة العظمى للفساد.
هذه الأرقام تؤكد أن التحدى الأكبر أمام أفريقيا هو الفساد الذى يدمر أى جهود للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويعد العامل الأول لهروب الاستثمارات للخارج، وتقلص القدرة على جذب واستقبال الاستثمارات الأجنبية، ومن هنا تبرز حاجة الدول الأفريقية إلى وجود أجهزة وكيانات وكفاءات ذات خبرات وقدرات عالية، وهنا أيضاً تظهر مصر الدولة الكبيرة والقائدة التى تسعى بمسئولية لعرض تجربتها فى مكافحة الفساد والتى تعد نموذجاً يمكن الاقتداء به، ضمن الرؤية التنموية المتكاملة للقارة أو «أجندة أفريقيا 2063» التى أطلقها الاتحاد الأفريقى.
ما تحققه مصر فى الداخل من نمو وتقدم يدعو للأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل، ولكن انعكاس ذلك على الأشقاء فى محيطنا الإقليمى يدعونا للفخر، فنحن المصريين أبناء هذه الدولة الرائدة والقائدة، ولا عزاء لمن راهنوا على فشلها، وسعوا لعزلتها.