تابعت كغيرى واقعة «دهب» التى خرجت فى مظاهرة وهى حامل فتم القبض عليها واحتجازها حتى كانت صورتها الشهيرة بالكلبشات على فراش المستشفى تعجز عن احتضان وليدتها «حرية».
لا تعنينى أسباب القبض على «دهب» وما إذا كانت بسبب تأييدها للإخوان أو رغبتها فى تعطيل التصويت على الدستور، لأننى أفترض وجود قانون يحقق فى التهمة وحقيقة حدوثها من عدمه. فيعاقبها إن ثبت جرمها، ويفرج عنها إن ثبتت براءتها، مع الاحتفاظ لها بكل حقوقها الإنسانية فى التعامل داخل الحبس. هكذا أرى القضية ببساطة دون تهويل، كما فعل البعض، ودون تهوين، كما فعل آخرون. نعم لم يكن فى تقييد «دهب» بهذا الشكل نوع من الرحمة بامرأة فى وضعها، ولكننا لم نستمع لحارسها وأسبابه فى ذلك. هل خشى من تهريبها وقت الزيارة وهو لا يملك إمكانيات المقاومة؟ أم أنه نفذ الأوامر بلا تفكير إنسانى كحال كثير من الناس فى بلادنا المنفذين لسياسة «أنا عبد المأمور»؟ أيا كان ما قاله المأمور. والفارق كبير يا سادة رغم أنه يوجهنا فى النهاية إلى كلمة واحدة أرددها بلا سأم، نحن بحاجة لتطوير منظومة الأمن وفكرها وبسرعة حماية للشرطة والمواطن. ورغم كل هذا فقد حزنت لقرار الإفراج عن «دهب» الذى أصدره النائب العام بعد كل ما قيل فى تلك القضية إعلامياً وحقوقياً، لأننى شعرت أن الإفراج جاء نتيجة الضغط العام لا بسبب القانون الذى كان يجب أن يسود فى موقف كهذا. حزنت لأننا لا نحرص على تحقيق العدالة بتطبيق القانون مع احترام كافة حقوق الإنسان وصونها. خشينا الغضب العام دون إدراك لقاعدة أن الاستثناء هو المدخل الحقيقى للفساد. كان علينا إنهاء التحقيق مع «دهب» وإعلان حقيقة موقفها للرأى العام متهمة أم بريئة؟ لا الإفراج عنها لمجرد أنها أنجبت طفلة وهى قيد الحجز. فكم من امرأة فى سجون مصر تحمل وتلد، فلماذا الاستثناء الذى يكرس لمبدأ «خيار وفقوس» لا لسيادة القانون؟
وعلى عكس هذا استمعت لحيثيات الحكم فى قضية الطفلة زينة -صبر الله قلب أهلها- التى حكم فيها بالسجن المشدد لمدة 15 سنة على المتهمين فيها. حكم أغضب الكثيرين ولكنه تنفيذ للقانون. فالمتهمان أقل من 18 سنة، والقانون لا ينص على عقوبة الإعدام لمن هم أقل من هذه السن. قال القاضى فى حيثيات حكمه إنه تمنى لو منحهما أحكاما مشددة ولكنه التزم القانون ولم يرضخ للضغط العام. قد نكون بحاجة لثورة تشريعية ولكنها لم تأت بعد ولم تتحقق، ولكن احترمت القاضى الذى لم ينضغط قانونياً وطبق القانون، رغم أنه كإنسان كان يتمنى لو حكم عليهما بالإعدام ألف مرة، ولكنه التزم النص القانونى وجعله الفيصل. إننا بحاجة إلى احترام القانون حتى لو لم نرض عنه. أتذكر محاكمة قاتل مروة الشربينى فى ألمانيا عام 2009 وكلمات القاضية الفاضلة «برجيت واجند» -التى فصلت فى القضية- فى أولى جلسات المحاكمة وقد أدركت حجم القضية إعلامياً ودولياً، حين قالت فى افتتاح المحاكمة: «أود التنويه بأننا أمام قضية جنائية علينا الحكم فيها بالقانون واحترام سيادته، ولسنا أمام قضية سياسية أو إعلامية». يومها جلست منبهرة أمام قوة تلك المرأة التى احتمت بسيادة القانون ولم تستسلم لقانون الضغط.