أسعدنى جداً خبر مطول قرأته على صفحة مجلس الوزراء المصرى على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك».. يقول الخبر إن وزارة المالية قررت إلغاء مصلحة الخزانة ودمجها مع مصلحة سك العملة.
مبعث السعادة بالطبع لم يكن إلغاء مصلحة الخزانة، أو ضمّها لمصلحة سك العملة، مطلقاً.. سبب السعادة هو ما ورد بتفاصيل الخبر من أن إلغاء مصلحة الخزانة، تم بعد أن أتمّت الحكومة تنفيذ خطة ميكنة مرتبات موظفى الدولة وصرفها عبر كروت الفيزا وماكينات الصرف البنكية.
خبر إلغاء مصلحة الخزانة وضمّها إلى مصلحة سك العملة تضمن كذلك تعهد وزارة المالية بإعادة هيكلة الكثير من الوظائف التى تتطلبها عملية الدمج، خاصة مع إلغاء وظائف مندوبى الصرف وأمناء الخزائن، وأولئك كانوا يتولون تنفيذ عملية صرف مرتبات موظفى الدولة قبل إتمام عملية ميكنة صرف المرتبات.
الأمر المبشّر فى هذا الأمر أن نجاح الحكومة فى تنفيذ خطة ميكنة المرتبات حقّق فوائد عدة على مستويات مختلفة، فعلى الجانب المالى، تحققت وفورات مالية كبيرة كانت تنفق كنفقات لتأمين عملية نقل المرتبات من الإدارات المالية المركزية بالوزارات المختلفة إلى الجهات التابعة لها، ففى السابق كانت عملية نقل المرتبات تتم بسيارات خاصة وفى حراسة الكثير من الأفراد، وبالطبع هؤلاء كانوا يصرفون مكافآت وبدلات! تخيل عزيزى القارئ أن لدينا شهرياً ما يقرب من 25 مليار جنيه مرتبات أكثر من خمسة ملايين موظف، ولدينا أكثر من ثلاثين وزارة و26 محافظة، إضافة إلى المئات من الهيئات والأفرع الإدارية التابعة، تخيل كم كان هناك مندوب للصرف، وكم أمين خزنة، وكم صرافاً! الأمر المهم الآخر الذى تحقّق بعدما نجح تنفيذ خطة ميكنة المرتبات، هو إغلاق أبواب متعددة للفساد المتنوع، أهمها نجاح الحكومة فى ضبط الحد الأقصى للمرتبات، بعدما باتت كل المستحقات التى يحصل عليها أى موظف سوف توجّه مباشرة إلى الحساب البنكى المخصّص للمرتب، والذى تم يتولى إرسال إنذار إلى الجهات الرقابية المالية والإدارية، عند تجاوز جملة المبالغ المحولة على الحساب الحد الأقصى للمرتبات، أيضاً أنهى نظام ميكنة صرف المرتبات ظاهرة كشوف البركة السرية التى كان يعتمدها ويستفيد بها أعداد محدودة من الموظفين الفاسدين الذين كانوا يختلقون المبررات والدواعى للاستيلاء على المال العام بلا وجه حق.
الحقيقة أن إعلان الحكومة المصرية النجاح فى تنفيذ ميكنة عملية صرف مرتبات الدولة أمر إيجابى ومهم، وأظن أن هناك خطة شاملة يوليها الرئيس السيسى اهتماماً بالغاً لاستكمال منظومة الشمول المالى التى تنظم كل المعاملات المالية المرتبطة بالدولة من كل الاتجاهات.
أظن أن الحكومة أوشكت على الانتهاء من الميكنة التامة لعملية تسجيل الممولين وتحصيل المستحقات الضريبية، بحيث ينتهى، وإلى غير رجعة، عصر التعاملات والاتفاقات المشبوهة بين بعض ضعاف النفوس من الممولين وموظفى الضرائب، التى كانت تأتى على حساب موارد الدولة! فى الوقت ذاته، بدأت الحكومة، ومنذ أول مايو الماضى ميكنة عملية سداد كل المستحقات الحكومية لدى الأفراد، وعند تمام تنفيذ هذه المنظومة ستنتهى أيضاً، وإلى غير رجعة، ظواهر سلبية عدة، كانت تشكل نقاطاً بالغة السوء فى ثوب الجهاز الإدارى للدولة.
أدرك أيضاً أن المساعى والدراسات جارية على قدم وساق فى عدة دوائر حكومية للبدء فى تطبيق النظام الأمثل، الذى يضمن اجتذاب الاقتصاد الموازى أو السرى، كما يصفه بعض الخبراء إلى داخل منظومة الاقتصاد الرسمى، عندها سوف تتزايد موارد الدولة، ستتزايد الخدمات التى تقدّمها للكثير من البشر ممن كانوا بعيدين عن مظلة الدولة.
أما الأمر الأكثر أهمية، كما أراه، فى عملية إتمام ميكنة المعاملات المالية على مستوى الدولة، فهو مكافحة الفساد بشكل فعّال لأول مرة منذ عقود!