نشرت جريدة «الوطن» أن السيد رئيس مجلس الوزراء اجتمع مع وزيرى الصحة والتعليم العالى، واشترك وزير المالية، لمناقشة موضوع نقص الأطباء ومطالبة الأستاذة وزيرة الصحة بدفعات استثنائية من الطلبة للدخول فى كليات الطب بمجموع أقل من المعتاد، وكذلك إنشاء كليات طب جديدة والاعتماد على المستشفيات القائمة بالتدريب والتعليم الإكلينيكى، هذا الخبر أصابنى بغصة ولوعة شديدة، حيث إننى طول فترة وجودى فى نقابة الأطباء على مدى ما يقرب من ثلاثين عاماً طالبنا بنقص أعداد المقبولين فى كليات الطب لكى نحسن مستوى تعليمهم وتدريبهم، وطالبنا بدراسة مستقبلية لاحتياجات الوطن من الأطباء، حيث لا يجوز الإنفاق على كليات مكلفة وعلى تعليم مكلف ويخرج الأطباء بلا عمل، لأنهم سيكونون عمالة زائدة، مع ذلك لا يزال القبول فى كليات الطب نحو أحد عشر ألف طالب سنوياً فى اثنتين وعشرين كلية، بالإضافة إلى كليتى طب فى جامعات خاصة، أى فى خلال الخمس عشرة سنة المقبلة إذا استمر مستوى الأعداد الحالية سيخرج من كليات الطب ما يقرب من 150 ألف طبيب زيادة على ما يقرب من 300 ألف طبيب حالياً معتمدين فى نقابة الأطباء، وهذا العدد سيكون أكثر من كفاية لتغطية احتياجات التأمين الصحى واحتياجات الحاجة إلى تغطية الطلب على الأطباء فى الخارج، هذا بالإضافة إلى كلية طب عسكرية لتغطية احتياجات القوات المسلحة.
إن نشر الخبر على هيئة تخريج أطباء بصفة استثنائية يعطى إحساساً بأننا سنخرج أطباء بمستوى متواضع وبنوع من الكلفتة، وكل مطالباتنا فى الماضى والحاضر هى الارتقاء بكفاءة التعليم ورفع مستوى المستشفيات الجامعية والتعليمية والارتفاع بمستوى التعليم الطبى وليس بالطرق الاستثنائية ولكن بطرق زيادة الإنفاق وتطبيق معايير الجودة ونقص أعداد المقبولين حتى يمكن تحسين عملهم وتدريبهم (إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه).
عندما حاولت كليات الطب الخاصة أن تتهرب من إنشاء مستشفى جامعى وكذلك عن تدريب الأطباء فى السنة التدريبية رفعت النقابة قضية أمام مجلس الدولة وترافع عنها المحامى القدير دكتور/ سليم العوا متطوعاً وكسبت القضية، وأرغمت الجامعة الخاصة على إنشاء مستشفى، وأرجو من النقابة أن تتابع ذلك وتستمر على نفس المنهج، من غير المعقول أن يسمح مستشفى خاص لكلية طب خاصة أو عامة باستخدام مرضاه وأسرته للتعليم الطبى بكل ما يحمله ذلك من معاناة ومضايقات للمرضى الذين يدفعون نفقة الإقامة بالمستشفى وإجراء عمليات بواسطة المتدربين ولن ينجح ذلك.
موضوع أعداد الأطباء لا يمكن أن يتخذ فيه قرار سريع فى اجتماع سريع مع رئيس الوزراء، ولكنه فى حاجة إلى دراسة وفى حاجة إلى اشتراك نقابة الأطباء والمرضى، وفى حاجة إلى مؤتمرات وإلى بيانات خاصة بتوزيع الأطباء وعدد الممارسين وعدد المهاجرين والزاحفين على مناطق الخليج وأوروبا وإنجلترا بالذات وأمريكا وكندا وأستراليا.
نحن فى حاجة إلى بيان بأعداد الأطباء فى كل محافظة بالنسبة لعدد السكان والتخصصات المختلفة لإظهار النقص فى بعض التخصصات والتكدس فى تخصصات أخرى، وعلاقة ذلك بتطبيق التأمين الصحى على مدى خمسة عشر عاماً بعد حساب عدد طلاب الطب الحاليين والمستقبليين إذا تم الدخول بنفس المستوى الحالى ومناقشة أسباب هجرة الأطباء.
بعد خفض سعر الجنيه المصرى بالنسبة للعملات الخليجية والأوروبية أصبح مرتب الطبيب حديث التخرج يتراوح ما بين 20 و25 ألف جنيه بالمقارنة بمرتب المصرى الذى لا يزيد على الحد الأدنى للأجور سوى بعدة جنيهات، وكسبت النقابة قضية بدل العدوى فى مجلس الدولة، وامتنعت وزارة المالية عن التنفيذ، والعدوان على الأطباء كل حين فى بعض المستشفيات وأماكن الخدمة الطبية ووعدت الحكومة بالحماية ولا تزال الاعتداءات قائمة.
توزيع الأطباء عند التكليف يتم حسب المجموع، ويجد الطبيب نفسه فى أطراف المعمورة فى مصر بعيداً عن التعليم والتدريب والبيئة الحضارية المريحة، ولقد عاصرت أطباء يعملون فى مجاهل أفريقيا وهم سعداء، لأن مرتباتهم تؤدى إلى إرضائهم وتحقيق رغباتهم فى الحياة الكريمة، وهى مكان أقل حضارة من أسوأ موقع فى مصر، طالبنا بمميزات فى الأماكن المناسبة وأن يكون التوزيع حسب الأماكن الجغرافية بكلية الطب، خصوصاً أنه تقريباً يوجد كلية طب فى كل محافظة، ويمكن إنشاء كليات بمستوى حضارى فى الأماكن القليلة المتبقية مثل سيناء والأقصر والواحات.
الالتحاق بالدراسات العليا فى غاية الصعوبة، خصوصاً أن الجامعة تصر على تقدير جيد على أقل تقدير فى التخرج بينما الحاصل على تقدير مقبول هو الأولى بالقبول لتحسين مستواه، الطب يجب أن يمارس بواسطة أطباء حصلوا على التدريب بعد التخرج، ويفضل من هو حاصل على شهادة تخصص، هناك شهادة الزمالة المصرية التى يتخرج منها إلى الآن ألف طبيب فى مختلف التخصصات، وبشهادة الأساتذة المشاركين حققت الزمالة نتائج باهرة فى مستوى ممارسة الأطباء، ولكن وزارة التعليم العالى والمجلس الأعلى للجامعات أصدرا قانوناً بإنشاء زمالة أخرى بنفس الأسلوب تتبع الجامعات وكان المطلوب التوحيد بين الزمالتين، ولكن يبدو أن كل وزارة تتحدث مع نفسها وليس مع الآخرين ويتعرض الخريجون إلى مشاكل فى الحصول على التفرغ لدراسة الزمالة أى زمالة، الممارس العام هو حجر الزاوية فى تطبيق نظام التأمين الصحى ويجب على الأقل أن يتوجه نصف الخريجين لهذا التخصص، خصوصاً وهو الأكثر فرصة فى الدخل المناسب، قدر وزير الصحة السابق أن الممارس العام الذى يقيد عليه عدد من الأسر هو مسئول عنها سيصل دخله إلى نحو عشرين ألف جنيه شهرياً، وهذا مبلغ فى رأيى مناسب لتشجيع الأطباء على العمل فى أى موقع وعدم التفكير فى الهروب من مصر إلى أماكن أخرى بحثاً عن دخل أفضل، وزير المالية المحترم يعطى تصريحات مطمئنة حول ميزانية الصحة ومرتبات الأطباء ولا ينفذ شيئاًً، والحال لا يزال فى حاجة إلى نهضة مادية لتحسين الأوضاع ومستوى الخدمة وأوضاع العاملين إذا كنا جادين فى وضع الصحة والتعليم فى مقدمة اهتمامات الدولة.
نداء أخير: إلى أولياء الأمور لعل بعضكم قد أسعدته تصريحات المسئولين الأخيرة حول الدفعات الاستثنائية وحول كليات طب جديدة بلا مستشفيات وحول تخفيض نسبة القبول فى هذه الكليات.
ولكنى أحذر: أن تعليم الطب فى حاجة إلى طالب من نوع خاص، إنسان له حب للمهنة وتطلع للخدمة العامة وقدرة على التحصيل وبذل الجهد، لأن عدداً من الطلاب المقبولين من بين الحاصلين على 98-99% لا يستطيعون تكملة المشوار وبعضهم يترك الدراسة وينتقل إلى كليات أخرى مناسبة لإمكانياته، خصوصاً إذا استمر وضع مرتبات الأطباء الهزيلة بهذا الشكل فإن أى عمل سيكون عائده أفضل، وستكون هذه المهنة باباً للهروب من مصر إلى غيرها من الدول المحتاجة للأطباء والتى تعطى مرتبات مناسبة.
الأستاذة الدكتورة وزيرة الصحة:
أقدر الجهد الذى تبذلينه فى رعاية الصحة ومحاولة الخروج بالتأمين الصحى فى أفضل صورة، وسبق أن عرضت على سيادتكم اقتراحاً لحل مشكلة القوى البشرية من الأطباء الممارسين وهو الإعلان قبل تطبيق التأمين فى عدد من المحافظات عن الحاجة إلى عدد من الممارسين يكونون من الحاصلين على دبلوم أو زمالة، الباطنى، الأطفال، النساء، الجراحة، حيث يتم إلحاقهم ببرنامج تدريبى لمدة 6 شهور، وأقترح أن تقوم بذلك كلية طب قناة السويس، ويذكر فى الإعلان الدخل التقريبى للأطباء شهرياً، ويمكن أن يضم إليهم فى حالة عدم استكمال العدد أطباء الرعاية الطبية الأولوية الممارسون لمدة عام أو عامين، كذلك أطباء المعاش فوق سن 60 وأصحاب القدرة على الممارسة.
مع دعائى لكم بدوام التوفيق