أعترف أننى أبذل مجهوداً ليس بالقليل كل صباح تقريباً وأنا أتصفح مواقع التواصل الاجتماعى لأتابع ما يدور حوله النقاش كل يوم.. ذلك الذى يطلق عليه مستخدموه «التريند» الذى يخص اليوم..!
إنه التقليد الذى صار قاعدة لا تتغير تقريباً.. فالنقاش الساخن يدور كل يوم حول موضوع بعينه.. ليدلى كل بدلوه حتى وإن لم يعرف عن الموضوع إلا من خلال نقاشات الأصدقاء.. فيتحول الموقع من وسيلة للتواصل إلى سبب للخلاف والخناق دون جدوى!
الطريف أن كل هذا لا يؤدى إلى شىء على الإطلاق.. لا يصنع فارقاً أو يخلق حالة.. بل إنه لا يقدم حلولاً للمشكلات التى يناقشها أو حتى يبتكرها ليناقشها!.. إنه نوع من النقد لمجرد النقد.. والاعتراض على الوضع دون تقديم البديل..! فقط فى بعض المرات تمكن الجدل من صنع بعض التغيير.. مثل إيقاف أحد البرامج الشهيرة.. أو أن يصدر توضيح أو اعتذار من البعض عن أمر آخر.. إنها بعض الانتصارات الصغيرة التى لا تصنع تغييراً حقيقياً.. ولكن البعض يعتقد أنها كافية لتستمر الحالة!
المشكلة ليست فى مواقع التواصل نفسها.. ولكنها تكمن فى تصاعد الأخبار والآراء من خلالها فى مصر تحديداً.. وتلفيق الأكاذيب والشائعات بشكل ممنهج عبرها كل يوم لتتحول إلى مناطق لصراعات وجدال ساخن لا يؤدى إلا إلى تفاقم الانقسام ربما بين أعضاء الأسرة الواحدة.. هناك استطلاع رأى دولى نُشرت نتائجه منذ عدة أيام، أن المستخدمين المصريين هم الأكثر سهولة فى التعرض لخداع الأخبار المضللة على الإنترنت، فى حين بدا المستخدمون من باكستان الأكثر تشككاً فى ما ينشر على الشبكة العنكبوتية من أخبار ومعلومات.. الأمر ليس جديداً.. فمنذ عدة أشهر نشرت «واشنطن بوست» الأمريكية تقريراً يفيد أنه بات من السهل حالياً وقوع أى شخص ضحية للأخبار المضللة التى تنشر على منصات التواصل الاجتماعى، بسبب الحرفية التى يتم بها تزييف هذه الأخبار، وهو ما يجعل مهمة كشفها وتجنبها أمراً صعباً.. واعتبر تقرير «واشنطن بوست» أن قلة الخبرة والافتقار إلى المهارات المتعلقة بالتكنولوجيات المستخدمة فى هذا المجال يساهمان بشكل فعال فى الانتشار السريع للقصص والأخبار المضللة.
كل ما سبق يجعلنا نفكر فى كيفية حماية الوطن من كل هذا.. فبدأت معظم المصالح الحكومية فى إنشاء إدارات للرد على الشائعات وتفنيدها.. وأعترف أنها تصدت فى الفترة الأخيرة للعديد من الشائعات المضللة.. كما يبذل المركز الإعلامى التابع لمجلس الوزراء بقيادة الصديق المحترم «هانى يونس» مجهوداً خارقاً لمتابعة وتفنيد معظم الأخبار المضللة على مدار الساعة ولكننى أعتقد أن الأمر لم يعد كافياً.. إن حروب الجيل الرابع تعتمد فى الأساس على فئة لم تصل لبعيد فى المستوى التعليمى.. الأمر الذى يجعل الوصول إليهم متأخراً بالنفى أو التصحيح لا يحقق المستهدف من زرع الثقة فى نفوسهم.. لذا أعتقد أن الأمر يحتاج إلى علاج جذرى.. إن انتشار ثقافة التفكير النقدى وتفنيد الحقائق يحتاج أن ينتشر بين طلبة المدارس والجامعات.. يحتاج أن يتم وضع تصور لتدريس هذا النوع من التفكير بشكل منظم منذ الصغر.. ينبغى على الشباب أن يتعلم كيف يميز مصداقية الخبر المتداول.. وكيف يتأكد من المصدر الذى يقرأ منه.. بل وكيف يفكر فى حلول لمشكلة يتم طرحها أمامه.. الأمر الذى سيحد كثيراً من انتشار الأخبار المغلوطة.. وسيخلق حالة من الثقة بين مصادر الحكومة الإعلامية والشارع.. كما سيقف حائلاً أمام الكثير من محاولات اللوبى الإخوانى فى تكسير المجتمع والتهوين من أى إنجاز يتحقق..!
ربما بات على منظمات المجتمع المدنى والمؤسسات التعليمية أن تضطلع بدورها فى هذا الشأن.. حتى نتمكن من الانتصار.. على «التريند»!