الرعاية المركزة هى نظام طبى للرعاية الفائقة للحالات الحرجة التى تحتاج للتدخل السريع عند حدوث ما يهدد الحياة، وذلك لوضع المريض تحت المراقبة بصفة مستمرة باستخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة بما فى ذلك المراقبة عن بعد.
فى كل التخصصات تقريباً يوجد الحاجة للرعاية المركزة بما فى ذلك الحالات بعد الجراحات الكبرى خصوصاً القلب والمخ ونقل الأعضاء. بدأ أول أقسام للرعاية المركزة فى مصر فى مستشفى جامعة عين شمس قسم القلب فى أوائل السبعينات، وبالرغم من عدم وجود دعم مادى من الدولة فإننا حصلنا على منحة من منظمة الصحة العالمية 15 ألف دولار لشراء أجهزة متابعة، وتولى المرحوم المهندس حسن علام إنشاء قسم على نفقته الخاصة، ولكن لا بد من إعطاء التكريم للأستاذ الدكتور شريف مختار أستاذ القلب فى جامعة القاهرة وهو الذى أشرف على قسم الرعاية المركزة فى مستشفى قصر العينى وجعل هذا الفرع من الممارسة الطبية تخصصاً بذاته وله برنامج تخصص وشهادات تخصص وأصبح هناك فى الطب أخصائى الحالات الحرجة.
أقسام الرعاية المركزة نشأت أولاً فى حضن أقسام القلب لرعاية حالات جلطة الشرايين التاجية حيث إن المريض معرض للمضاعفات فى الأيام الأولى من الجلطة مع حدوث حالات توقف فى عمل القلب أو ارتعاش فى البطن أو الأذن وهذه حالات يمكن علاجها فوراً وإنقاذ الحياة ثم توسعت الرعاية وشملت حالات فشل التنفس وحالات الحساسية المزمنة أو تليف الرئتين ثم شملت حالات الجلطة فى شريان المخ وحالات الفشل الحاد للكليتين أو الكبد ثم حالات الإصابات الجسيمة وبعد العمليات الكبرى.
أصبحت الرعاية المركزة فى الممارسة الحديثة للطب هى العمود الفقرى لكفاءة الخدمة الطبية ولا بد من التوسع فى هذه الخدمة خصوصاً فى المستشفيات القديمة التى أنشئت قبل تأكيد مفهوم الرعاية المركزة، وأصبح التعليم والتدريب على مبادئ خدمة الطوارئ هو عنصر أساسى من عناصر التعليم والتدريب لكل الأطباء بمن فيهم أطباء الإسعاف والمسعفون وهيئات التمريض.
الجديد فى هذه الخدمة هو الاتجاه الحديث نحو إجراء قسطرة القلب، وقسطرة المخ فى الحالات الحديثة لوجود جلطة بالشريان حيث يمكن إزالة الجلطة قبل حدوث تلف فى عضلة القلب أو خلايا المخ وذلك يتطلب نقل المريض وبغاية السرعة بعد حدوث الإصابة حتى يمكن إزالة الجلطة قبل حدوث التلف فى الساعات الثلاث الأولى، ولأننا فى عصر الوباء لأمراض القلب وجلطات الشريان التاجى والمخى بسبب التدخين والسكر والضغط وزيادة الوزن فأصبح من المناسب بل من الضرورى ربط مراكز الرعاية المركزة بأقسام متخصصة فى القسطرة حيث إن ذلك يتطلب استثمارات فى شراء أجهزة مكلفة وذلك مع تدريب جيد للقوى البشرية من الأطباء والمساعدين ووسائل نقل حديثة بما فى ذلك استخدام طائرات الهليكوبتر لنقل المصابين. ولقد ذكرت فى مناسبة سابقة تجربة شخصية لى مع زوجتى فى بلد التشيك حيث أصيبت زوجتى بجلطة فى المخ ونقلت بطائرة هليكوبتر إلى مركز متخصص على بعد 160 كيلو من الموقع الذى كنت فيه وبعد عدة ساعات وصلت إلى زوجتى فوجدتها قد تعافت من الشلل وعاد الوعى والذاكرة ودعوت الله وشكرته على حكمته وعلى تقدم الطب وتمنيت أن يتحقق هذا الوضع فى بلدى الذى يستحق الخير والتقدم لجميع أبنائه الأوفياء الذين يقدمون كل الخير للوطن.
أريد أن أضيف أن الحضانات لرعاية الأطفال حديثى الولادة والذين ولدوا قبل الأوان أو لديهم صعوبة فى التنفس بسبب عدم اكتمال الجهاز التنفسى هى أيضاً جزء من الرعاية المركزة وتحتاج أن تنتشر على مستوى الجمهورية ويديرها كوادر من الأطباء وهيئة التمريض على هذا التخصص الدقيق وتوفير سيارات إسعاف بها حضانات لنقل الأطفال حديثى الولادة إلى المراكز المختصة...
وفق الله الجميع لما فيه خير للوطن والمواطنين.