لم أقنع يوماً بالمعتاد، لأنه معتاد، ولم أرضَ يوماً بالمفروض لأنه مفروض، ولكننى قنعت دوماً بما يرضى عقلى، ويملأ ضميرى باليقين، فقبلت المعتاد والمفروض المقنعين، ورفضت ما دون الإقناع رفضاً باتاً مهما كانت الخسائر، ولذا صاحبتنى المشكلات منذ نعومة أظافرى، ورضيت بها لأنها اختيارى. لكننى لم أحبذ يوماً تجاوز الحدود أو تجاهل الأدب أو سلاطة القول بدعوى حرية التعبير، وديمقراطية العيش، كما لم أتعالَ يوماً على الحياة بفعل قمت به، أو خيار سعيت له، وتعلمت من النمل ثقافته، البحث عن مخرج بدلاً من ندب الحظ، لهذا أتعجب من كل من يتحدث فى تلك الأيام بعنجهية فارغة أو قول خارج على الأدب، أو المنطق مبرراً ما يأتى به أنه من شباب الثورة! أو ينسب ذاته إلى كيان حزبى، أو سياسى شارك فى الأحداث على استحياء أو من غير استحياء. داعياً بكل جبروت أن يقتنع الناس بقوله، أو فعله فقط لمجرد أنه من شباب الثورة، وأتساءل: ألم يشارك من هم فوق 40 سنة من المصريين فى أحداث يناير ويونيو؟ ألم يخرج العجائز والشيوخ للشوارع لرفض فساد طغى، أو فاشية دينية سرق كل منهما الحلم وزرع اليأس فى النفوس؟ ولكن من يرددون قول إنهم شباب الثورة لا يرون فى غيرهم من المصريين صانعين للأحداث. الأكثر من هذا أنهم يرفضون النقد فى أى شأن يتحدثون فيه بدعوى أنهم الأكثر فهماً ووعياً وإدراكاً للأمور وتقييمها، فيصرون على استكمال ثورة لم تتحقق أهدافها كما يرون، ومواصلة السخط والرفض لكل مؤسسات الدولة، حتى لو سقطنا فى بحر الفوضى كما هو حادث فى دول حولنا! معتمدين فى رؤاهم على «فيس بوك وتويتر وواتس آب»، فيظلون عليها بالساعات، يُنظرون، ويتفلسفون، دون النزول لأرض الواقع لدراسة مشكلة أو البحث لها عن حل، ولا يتركون فرصة لنقد الدولة تمر دون أن يظهروا فشلها وتقاعسها وقلة حيلة القائمين عليها. صارت الثورة فعلاً وهدفاً ورؤية، وباتت المشاركة فيها نسباً يزيد من قيمة الفرد! وصار المنتسب لها محصناً، عليه شعار ممنوع الاقتراب أو اللمس! ولهؤلاء أهدى كلمات للقديرة دكتورة نعمات أحمد فؤاد من كتابها «بالحضارة لا بالسياسة»، تقول فيها: «ليس التغيير ثورة.. ليس التغيير الهجرة.. وليس مطمحاً إلى منصب.. إنه موقف للاختيار، فالقضية هى الخروج من السجن. نعيش جميعاً بسبب تمزق النفس فى سجن كبير وسجن النفس أقسى كثيراً من سجن الجدران.. نحن فى حالة إغماء قومى، لكن القلب سليم والعقل له قضية، والقضية ليست اقتصادية، وليست سياسية، ولكنها حضارية. قضية كيان بمكوناته ومقوماته. والحضارة فى مسيرة الأمم -خاصة العريقة- أهم من السياسة والاقتصاد، لأن الحضارة تعنى فى وقت واحد الدين والتاريخ والسلوك. أى أسلوب حياة وسر وجود وطابع شخصية. إن الوطنية والقومية أساس التقدم الاقتصادى. فمن الوطنية التجويد فى الأداء حباً للوطن وإخلاصاً له»، فهل تفهمون، شباب الثورة، معنى الحضارة التى تحملها بلادكم على أكتافها منذ آلاف السنين؟ وهل تدركون أبناء الثورة الهدف من قيامنا بها؟ وهل تعلمون شباب الثورة أنكم بتم أصحاب قول لا فعل؟ وان أفعالكم -إن وُجدت- باتت محط ريب فى النفوس من كثرة ما صبرت عليكم؟ وأنه أن صحت نياتكم لا تكفى لتحقيق الرؤى، حيث إن الطريق إلى جهنم مفروش فى بعض الأحيان بالنيات الحسنة؟ ليتكم تعلمون أن الوطن بحاجة لكم ينتظر عطاءكم فى كل مجال بالفعل المنظم لا بالقول العشوائى والفوضى غير الخلاقة، ليتكم تعلمون أنكم وقود الحلم الخالد فى رؤية مصر فى المكانة التى تستحقها. ليتكم تهدأون وتفكرون وتضعون الخطط لنهضة بلادكم بدلاً من التردى فى متاهات اللاشىء.