دعا الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، فى اجتماعه مع وزراء الزراعة والتموين والتجارة والصناعة إلى ضرورة الاهتمام بزراعة القطن والصناعات النسيجية ووضع رؤية متكاملة لتوفير المحاصيل والسلع الاستراتيجية.
ورغم دهشتى لاضطرار رئيس مجلس الوزراء لهذه التوجيهات التى تمثل صميم مسئوليات وزاراتهم إلا أننى تمنيت أن تكون دعوته مؤشراً لاستجابة دائمة من الوزراء والمحافظين وسائر المسئولين للاعتماد على ما تفيض به بلادنا من إمكانات ذاتية وثروات طبيعية وبشرية وعلمية تتيح جميعها استغناءنا عن القروض والدين وعدم تحميل المواطن مزيداً من الأعباء والتكلفة الاقتصادية لهذه القروض، وإضافة المليارات المضيعة التى كنا نستطيع إضافتها لدخلنا القومى من خلال حسن إدارة قلاعنا الصناعية المهملة وإنتاج غذائنا من زرع أيدى فلاحينا؛ ولقد وقفت أمام أرقام ووقائع صادمة تكشف عن استمرار سوء وفشل وفساد إدارة ثرواتنا الزراعية والصناعية ومدى حقيقة أن صادرات منسوجاتنا 2٫5 مليار دولار، بينما تصدر بنجلاديش بنحو 40 مليار دولار! فهل آن لنا أن نقف على ما قامت به بنجلاديش للوصول بصادراتها من النسيج إلى هذا الرقم ونحذو حذوها دون استعلاء، وما جاء فى تحقيق استقصائى بالغ الأهمية فى صحيفة الأخبار عن المليارات الضائعة فى مشروعات متوقفة ومبان منسية وأصول غير مستغلة قدرتها دراسة للقيم التأمينية لها بـ15 ألف مليار دولار!! ألم يكن حسن إدارة وإحياء بعضها يغنى ويفيض ويحقق الاستغناء عن الديون والصناديق؟! وهل حوسب مسئول واحد عما ارتكب بحق شعب تحمل وحده تبعات وكوارث سوء إدارة هذه الثروات التى بلغت قيمتها فى نهاية 2018 مائة مليار جنيه قيمة أصول غير مستغلة فى شركات قطاع الأعمال العام، بينما تبلغ صادراتها 860 مليون جنيه فقط!! وتبلغ قيمة الأقطان المستوردة 1.9 مليار جنيه ولا تتوقف محاولات أصحاب المحالج لهدم زراعة القطن المصرى طويل التيلة وفرض زراعة القطن الأيلاند الأمريكى قصير التيلة!! وهل أُجريت دراسات الجدوى الكافية حول توجيه رؤوس الأموال واستثمارها فى سوق العقارات ما أدى إلى هذا الكم الهائل من المدن الجديدة والأبراج الشاهقة وتزايدها ونموها بصورة ملحوظة بدلاً من توجيه رؤوس الأموال للتنمية الصناعية والزراعية والتكنولوجية؟ وهل تناسب أسعارها الشباب؟ وهل سيؤثر هذا بالسلب مستقبلاً على الاقتصاد القومى، ومدى صحة المخاوف أن تذهب هذه الثروة العقارية كالمعتاد لأصحاب الثروات والقوى المالية التى تزداد تضخماً وتمكناً ويتحول شبابنا إلى غرباء فى بلدهم!! وكذلك حق أكثر من عشرة ملايين من أصحاب المعاشات فى معرفة مصير أكثر من 700 مليار جنيه تحويشة أعمارهم تستثمر منها الحكومة 550 مليار جنيه بينما يعانى أصحابها أصعب ظروف هذه المراحل القاسية فى نهايات أعمارهم!!
إن محاسبة المسئولين عن عدم تفعيل ما يطرح من آراء وحلول بناءة تحاول أن تقدم وتصحح وتنبه وتدق أجراس الخطر، لا يقل عنه أهمية الإجابة عما يتردد من تساؤلات كثيرة حول ما سبق، فمن حق الناس أن تجد إجابات موثقة عليها، وهو أمر لا يقل أهمية عن الرد على الشائعات.. بل قد يكون أهم منها لأن من شأن الشفافية فى الرد عن كيفية إهدار المال العام وفضح المسئولين عن ذلك فى حد ذاته يقف حائلاً دون انتشار الشائعات وتصديقها، إذ إن الشائعات تنتشر ويتم تصديقها بفضل التستر على الفساد أو خوف بعض المسئولين -بسبب إيثار المصالح الشخصية- من مواجهته.
فالإصلاح صعب.. وإجراءاته قاسية.. وتأجيله كارثة.. وما يخفف من وطأته الشفافية والمصارحة التامة والبعد عن المفاجآت والصدمات لتخفيف بعض معاناة الشرفاء وطمأنتهم على عيش حياة كريمة فى حاضرهم ومستقبلهم وفى احترام استحقاقهم فى عائد وثمار ما صبروا وتحملوا وحدهم من أجل أن تعبر بلادهم أزمات وكوارث صنعها من لم يتوقفوا عن نهب وإهدار واستغلال الإمكانات والثروات التى يفيض بها هذا الوطن.