بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمرأة 2019م، تقدمت لاعبات المنتخب النسائى الأمريكى لكرة القدم بدعوى قضائية أمام إحدى محاكم لوس أنجلوس ضد الاتحاد المحلى للعبة، على خلفية التمييز فى الأجور وظروف العمل مقارنة بلاعبى منتخب الرجال، وذلك على الرغم من أن نتائجهن أفضل بكثير من نظرائهن الذكور. وهذه الدعوى القضائية ليست الحلقة الأولى فى المعركة بين لاعبات المنتخب والاتحاد، حيث سبقتها خطوة أخرى فى العام 2016م، عندما تقدمت خمس لاعبات، على رأسهن أفضل لاعبة فى العالم لعامى 2015 و2016م، «كارلى لويد»، بشكوى إلى لجنة تكافؤ فرص العمل، وهى منظمة حكومية مسئولة عن إنفاذ قانون العمل، يشتكين فيها من الفرق فى المعاملة مع زملائهن الذكور. وفى شكوى جماعية مذيلة بثمانية وعشرين توقيعاً، رأت اللاعبات أن الاتحاد الأمريكى لكرة القدم فشل تماماً فى تعزيز المساواة بين الجنسين ورفض بعناد التعامل مع أعضاء المنتخب الوطنى للسيدات على قدم المساواة مع أعضاء المنتخب الوطنى للرجال. وذكرت اللاعبات أن الاتحاد الأمريكى للعبة وصل إلى حد القول بأن واقع السوق هو أن النساء لا تستحق تقاضى رواتب مساوية للرجال، واستمر فى تطبيق ذات المعاملة التمييزية رغم نجاح المنتخب الوطنى للسيدات فى أن يحقق دخلاً أكبر من الرجال، وبحيث لعب وفاز بعدد أكبر من المباريات، كما فاز بعدد أكبر من البطولات واستقطب عدداً أكبر من الجماهير على شاشات التليفزيون. ففى العام 2014م، منح الاتحاد الأمريكى منتخب الرجال مكافآت مالية وصلت إلى خمسة ملايين وثلاثمائة ألف دولار نتيجة وصوله إلى الدور ثمن النهائى لمونديال البرازيل، بينما فى العام التالى كانت مكافأة منتخب السيدات مليوناً وسبعمائة ألف دولار فقط بعد فوزه بلقبه العالمى الثالث فى كندا.
وفى هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم (100) بشأن مساواة العمال والعاملات فى الأجر عن عمل ذى قيمة متساوية لعام 1951م، السارية اعتباراً من 23 مايو 1953م، والتى تنص المادة الثانية منها على أن «تشجع كل دولة عضو، بوسائل تتلاءم مع الأساليب السائدة فى تحديد معدلات الأجور، على كفالة تطبيق مبدأ مساواة العمال والعاملات فى الأجر عن عمل ذى قيمة متساوية على جميع العاملين، وأن تضمن تطبيق هذا المبدأ فى حدود عدم تعارضه مع تلك الأساليب».
وطبقاً للمادة الثالثة من الاتفاقية ذاتها: «1- تتخذ تدابير لتشجيع التقييم الموضوعى للوظائف على أساس العمل الذى يتعين إنجازه، حين يكون من شأن التدابير المذكورة تيسير إنفاذ هذه الاتفاقية. 2- يجوز أن تقرر السلطة المختصة بتحديد معدلات الأجور، الأساليب التى يتعين اتباعها فى هذا التقييم، أو إذا حددت مثل هذه المعدلات باتفاقات جماعية، يقع ذلك على الأطراف المتعاقدة. 3- لا يعتبر مخالفة لمبدأ مساواة العمال والعاملات فى الأجر عن عمل ذى قيمة متساوية وجود فروق بين معدلات الأجور تقابل، دونما اعتبار للجنس، فروقاً فى العمل الواجب إنجازه ناجمة عن التقييم الموضوعى المشار إليه».
وبدورها، تنص المادة السابعة من العهد الدولى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966م على أن تعترف الدول الأطراف فى هذا العهد بما لكل شخص من حق التمتع بشروط عمل عادلة ومُرضية تكفل على وجه الخصوص مكافأة توفر لجميع العمال كحد أدنى أجراً منصفاً ومكافأة متساوية لدى تساوى قيمة العمل دون أى تمييز، على أن يضمن للمرأة خصوصاً تمتعها بشروط عمل لا تكون أدنى من تلك التى يتمتع بها الرجل، وتقاضيها أجراً يساوى أجر الرجل لدى تساوى العمل.
والواقع أن المشكلة شائكة، وليس من السهل تحديد متى يكون العمل ذا قيمة متساوية. فالعبرة ليست بمقدار العمل أو بنتائج المباريات أو الفوز بالبطولات، وإنما بالمردود الاقتصادى لها. فلم تعد الرياضة هواية، وإنما غدت صناعة واستثماراً، وتتوقف القيمة المالية للاعب أو اللاعبة على العديد من العوامل، ومنها مقدار الأموال التى يجنيها النادى أو اتحاد الكرة من وراء هذا اللاعب أو اللاعبة. ومع ذلك، يتعين على الاتحاد الكروى وضع خطة واضحة للنهوض بالكرة النسائية بما يسهم فى تعزيز اهتمام الجمهور بها ويؤدى بالتالى إلى تعظيم المردود الاقتصادى لها.
والله من وراء القصد...