جميعنا نعلم أن الفيروسات الكبدية، وفى مقدمتها فيروس C، كارثة قومية بكل المعايير، ليس فقط لأن لدينا ملايين المصابين بالفيروس (20% من سكان مصر حسب الإحصاءات الأكثر تفاؤلا)، بل لأن ميزانية المواطن «الغلبان» الذى ربما ضربته البلهارسيا أيضاً لا تتحمل كلفة العلاج الباهظة بعقارى «الإنترفيرون» و«الريبافيرين» معا.. وهما الأشهر حتى الآن والأكثر فاعلية.
صحيح أن هناك أقراصا جيدة تم اكتشافها عالميا، وسوف تدخل مصر بداية العام المقبل، لكن كلفتها تصل إلى 80 ألف دولار.
وبالتالى لا يجد المواطن أمامه إلا التداوى بالعسل، أو الجرى وراء النصابين من المعالجين بالأعشاب وقرص النحل.. حتى يتدمر كبده بالكامل ويصبح لا مفر من زراعة الكبد (فص من متبرع).. أو الدخول فى حالة الموت البطىء!
عشت حالات كثيرة قريبة إلى قلبى عانت، وتعالجت بطرق شتى، وحالات مرت بتجربة الزرع وتداعياته المرة.. لعل أشهرها كان الكاتب الرائع مجدى مهنا، رحمه الله، الذى اختطفه الموت منا.
وبالتالى فإعلان القوات المسلحة عن جهاز للكشف عن فيروس c والإيدز دون أخذ عينة دم وبنسبة نجاح ٩٥ بالمائة، وجهاز للعلاج مع بعض الأقراص.. هو ثورة علمية وتكنولوجية قد تغير وجه العالم، وتغير خريطة انتشار فيروس C التى تؤكد أن بمصر أعلى نسبة إصابات به.. وطبعا ستقلب توازنات شركات الدواء العالمية وأسهمها فى البورصة.
طبقا لتصريحات اللواء «طاهر عبدالله»، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، فإن أسلوب العلاج سيتم وفقاً لحالة المريض، ومدة العلاج على الجهاز نحو 20 ساعة على فترات، وفى ٣٠ يونيو القادم سيتم بدء العلاج الكمى بمستشفيات القوات المسلحة.. رغم أن الدواء لم يتم اعتماده دوليا حتى الآن!
جهاز «سى فاست» يكشف الفيروس فى أقل من 30 ثانية فقط، عن طريق البصمة الكهرومغناطيسية.. وقد رأيت تجربة مماثلة بطلها الدكتور هشام العيسوى، وهو طبيب مصرى مقيم بإنجلترا.. نصحنى بزيارته رجل الأعمال المعروف «صلاح دياب» برفقة إحدى قريباتى.
حضرت التشخيص، والجلسه الأولى للعلاج، وكان الدكتور «العيسوى» سيغادر مصر فى اليوم التالى.. لم أقتنع بجدية العلاج، ربما لمعرفتى بطرق العلاج التقليدية التى تستغرق عاما، يتم إنهاك المريض خلالها.
تعافت قريبتى، لكننى ظللت محملة بالأسئلة، وأذكر أننى -ساعتها- قررت قياس الجهاز بإجراء الاختبار على نفسى، علما بأننى تعاطيت من قبل مصلاً واقياً من فيروس B وكان لا بد قبله التأكد من خلوى من الفيروسات، وللحقيقة -رغم تطابق النتيجتين- خرجت غير مصدقة!!
لعل هذا هو حال العقل المصرى عندما يواجه معجزة طبية، وحتى الآن معظم أطباء الكبد (بعضهم شارك فى البحث)، يجمعون على كفاءة الجهاز فى تشخيص المرض مقارنة بتحليل «بى سى آر» (وهو باهظ الثمن)، لكن القدرة العلاجية لا تحتاج فقط إلى إعلان براءة الاختراع.. بل تحتاج إلى اعتراف دولى بالعلاج.. حتى يقتنع أمثالى من المتشككين والموسوسين.
وقد أسعدتنى جدا تصريحات الدكتور عصام حجى، المستشار العلمى لرئيس الجمهورية، الذى أكد على (وجوب التزام المؤسسات العلمية المصرية بالمعايير الدولية للبحث العلمى والنشر والإنتاج، قبل الإعلان عن النتائج المتوصل إليها).. وتعليمات الرئيس عدلى منصور بالتواصل مع مؤسسات ومراكز الأبحاث العلمية فى عواصم العالم للتأكد من اكتمال وسلامة البحث وصحة النتائج قبل أى تطبيق له. حتى لا يقال إننا نهلل لأى إنجاز للمؤسسة العسكرية، بل نتبع القواعد المتبعة دوليا.
مثل أى إنسان على كوكب الأرض، سأكون سعيدة لوضع نهاية لكوابيس فيروسات الكبد والإيدز وإنفلونزا الخنازير من على وجه الأرض.. وسأكون فخورة إذا كان السبب مخترعا مصريا هو العميد مهندس أحمد أمين.
ساعتها ستستعيد مصر تأثيرها، وتعيد أمجاد «الرازى» و«ابن سينا»، أشهر أطباء المسلمين العرب.. ويحدث هذا الجهاز نقلة فى عالم الطب، كالتى أحدثها اكتشاف «البنسلين»، نقلة تسجل باسم مصر.