أى مواطن يمتلك أموالاً ويريد استثمارها، فإنه يبحث عن المشروع الذى يحقق له أرباحاً كثيرة وسريعة، وأيضاً ينهى إجراءاته ويحصل على تراخيصه فى وقت قياسى، دون معاناة مع الجهاز الإدارى.
وصاحب رأس المال يسعى لتحقيق مصلحته فقط، وبصرف النظر عن مصلحة الدولة، ولو حدث تعارض بين المصلحتين -غالباً ما يحدث- فلتذهب مصلحة الدولة إلى الجحيم.
وحتى نكون صادقين مع أنفسنا وبلدنا، يجب الاعتراف بأنه ما زالت هناك مشاكل كثيرة يواجهها المستثمرون والصناع الجادون ومعاناة شديدة مع الجهاز الإدارى، رغم كل الجهود المتميزة التى تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ الاستثمار، سواء فى مجال إصلاح البنية التشريعية بإصدار حزمة كبيرة من القوانين المهمة والضرورية، مثل قانون الاستثمار والإفلاس وسوق المال والشركات والتأجير التمويلى والتراخيص الصناعية، أو فى مجال البنية الأساسية، التى شهدت طفرة غير مسبوقة، حيث أنفقت الدولة عليها أموالاً طائلة (مئات المليارات)، لتهيئة المناخ للاستثمار، وبناء المشروعات والمصانع، فلم يكن الهدف من شراء محطات الكهرباء العملاقة بمليارات الدولارات هو الإنارة المنزلية، وكذلك إنشاء الطرق والكبارى والأنفاق الضخمة من أجل النزهة أو الاستمتاع بالقيادة عليها، لكن لأغراض التنمية التى تحقق رفاهية المواطنين وترفع مستوى معيشتهم.
أتوقع وأتمنى انطلاقة صناعية قادمة للاستفادة من الطفرة الكبيرة فى البنية الأساسية، وهذه ضرورة حتمية، ولا مفر منها، فالإنتاج هو أساس التنمية والتقدم، وهو يأتى من الصناعة والزراعة، وهذا فى أيدينا، وكذلك من الخدمات، مثل السياحة وقناة السويس، وهذه فى أيدى غيرنا، ومرتبطة بالأحداث الدولية.
إذاً الأمل كله فى الصناعة والزراعة، ونحن نمتلك مقومات ذلك، لكن لدينا بعض المشاكل البيروقراطية من المسئولين فى الجهاز الإدارى، والتى يجب التغلب عليها، وأيضاً يجب تغيير فكرنا فى التعامل مع الأرض، فهى وسيلة للتنمية، وليست سلعة للبيع والشراء.
أكبر عقبة أمام التنمية هى التجارة فى الأراضى، سواء من الأفراد أو الدولة، فليست لدينا أزمة فيها أو عجز، حيث 90% وأكثر من أرضنا ما زالت صحراء جرداء، والمنطقى أن تكون أرخص شىء فى بلدنا، وليس العكس، لذلك فإن قرار الحكومة بمنح الأراضى الصناعية مجاناً فى المناطق الفقيرة والأكثر احتياجاً كان صائباً.
لكن هناك مغالاة فى تسعير الأراضى الزراعية والصناعية فى مناطق أخرى، فالعائد الذى يأتى من بيع الأرض أقل بكثير جداً من استغلالها فى أغراض التنمية، ويمكن منحها بنظام حق الانتفاع وبأسعار مناسبة، فهذا هو الحل السحرى لتشجيع الاستثمار ومنع التجارة فيها.
يؤسفنى أن تصبح المجالات الاستهلاكية هى الأكثر انتشاراً فى بلدى، لدرجة أننى سمعت من أحد السفراء الأجانب أن بلاده ترغب بالاستثمار فى مجال الكافيهات فى مصر، حيث إن أرباحها مضمونة، فأسهل شىء حالياً أن تستأجر مكاناً، ثم تقوم ببيع مياه ملونة وشيشة بأسعار جنونية، ويقال إنها تجارة أصبحت أكثر ربحية من المخدرات.
تأثير المقاهى والكافيهات ليس فقط على الصحة والمرور والبيئة، لكنها كارثة على الاقتصاد.
ما الذى يجبر المستثمر على الدخول فى متاهة مع الجهاز الإدارى لإنشاء مصنع أو مزرعة، طالما أنه يستطيع تحقيق أرباح خيالية من بيع الدخان والمياه الملونة. الدول التى تقدّمت، حقّقت ذلك بالانضباط وليس بالفوضى، ولم ولن تسمح لأى مواطن بأن يفعل ما يريد وقتما يريد، بل الدولة هى التى تُحدد ما تحتاجه، حتى لو كان صالون حلاقة صغير.
انتشار الكافيهات فائدة لأصحابها وللموظفين الفاسدين وكارثة على البلد، أما إنشاء المصانع والمزارع عمل وطنى شريف وفائدة للوطن والمواطن.