الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، هكذا تعلمنا منذ الصغر، ، والخلاف السياسى أراه دائماً من الأمور الطبيعية، ليس فقط بين التيارات السياسية المتباينة من أقصى اليمين لأقصى اليسار وما بينهما، ولكنه يظل طبيعياً أيضاً بين أبناء الفصيل السياسى الواحد فى ظل تصارع الرؤى والأفكار، ولكن من غير الطبيعى أن يصب الخلاف فى مصلحة أعداء الوطن فى الخارج والداخل.
هناك معركة حامية تدور الآن بين فصائل من تيار اليسار، ساحتها الرئيسية مواقع التواصل الاجتماعى وفى القلب منها الـ«فيس بوك» -لعنة الله عليه- وكالعادة يشهر البعض فى مواجهة الآخرين سلاح التخوين والعمالة، الخيانة لحساب من؟ والعمالة لصالح من؟.. مش مهم!.
وباعتبارى من المنتمين سياسياً لتيار اليسار، وأعرف شخصياً غالبية الأشخاص المتصارعين، لاحظت أن الأكثر إطلاقاً لتهمتى العمالة والتخوين لخصومهم هم الأكثر تطرفاً، وليسوا أطهاراً ولا أنقياء كما يتصورون أنفسهم، وبعضهم مصاب بما يمكن تسميته بالحوَل السياسى، وهؤلاء -ولن أصفهم بالخونة والعملاء- متورطون تاريخياً فى التحالف مع جماعة الإخوان الإرهابية، ومنذ أوائل تسعينات القرن الماضى، نعم وصل الأمر بهؤلاء المصابين بالحوَل السياسى وهم يمثلون أقصى اليسار للتحالف مع أقصى اليمين الدينى المتطرف الذى يكن لهم عداء أيديولوجياً وسياسياً وإنسانياً!.
فى أوائل تسعينات القرن الماضى أعلن بعض التروتسكيين عبر منصة أحد المؤتمرات فى نقابة المحامين تحالفهم مع الإخوان فى مواجهة النظام -نظام مبارك الذى تواصل معه الإخوان سراً من وراء ظهر حلفائهم- هؤلاء امتد بهم الأمر إلى إصدار بيان باسم «الاشتراكيون الثوريون» بعد أحداث 25 يناير وصفوا فيه الإخوان الإرهابيين بالإصلاحيين!.
الحوَل السياسى جعل هؤلاء يصفون من يريدون هدم الدولة الوطنية وإقامة دولة الخلافة بالإصلاحيين.
وقتها سألهم الراحل الدكتور رفعت السعيد، بكم ساندتم الإخوان؟ ولم يجب أحد منهم.
هؤلاء الذين يهاجمون وينتقدون اليسار الذى يعرف متطلبات المرحلة الراهنة، ويدرك طبيعة الأخطار المحيطة بالوطن، لم ينطقوا أو يعلقوا بحرف واحد على تحالف فصيل يسارى انتخابياً مع الإخوان إلى حد ترشيح قبطى على قائمة حزب الحرية والعدالة الإخوانى تحت شعار «الإسلام هو الحل».
هؤلاء من يروجون لمزاعم الإخوان حول الاختفاء القسرى للمنضمين للتنظيمات الإرهابية المسلحة فى سيناء وفى سوريا وليبيا.
هؤلاء من شارك ممثلوهم فى جريمة «فيرمونت» التى مكنت مرشح الجماعة الإرهابية من الفوز فى الانتخابات الرئاسية بحجة منع عودة الفلول للحكم.
هؤلاء من ساهموا فى تمكين الإرهابيين من الوصول للحكم، تحقيقاً لمخطط الولايات المتحدة الأمريكية التى هى فى أفكارهم -أو من المفترض- هى العدو السياسى الأول لهم باعتبارها زعيم الرأسمالية العالمية.
هؤلاء من يطالبون بالإفراج عن بعض قيادات الإخوان وعدم محاكمتهم بحجة كبر سنهم، وفاتَهم أن الرئيس السابق مبارك تمت محاكمته وسجنه بعد أن تجاوز الثمانين من العمر، ولم يطالب أحد بمثل ما طالبوا.. لكنه هنا الهوى المصاحب للحوَل السياسى.
رحم الله الإمام الشافعى الذى قال فى إحدى قصائده:
نَعِيبُ زَمَانَنَا وَالعَيْبُ فِينَا
وَمَا لِزَمَانِنَا عَيْبٌ سِوَانَا
وَنَهجُو ذَا الزَّمَانَ بِغيرِ ذَنْبٍ
وَلَوْ نَطَقَ الزَّمَانُ لَنَا هَجَانَا