فى جولة سريعة على موقع التغريدات الشهير الذى يتميز بذلك الطائر الأزرق.. توقفت كثيراً أمام ما رأيت من هجوم غير مبرر على الرئيس جمال عبدالناصر.. واتهام عصره كله بل والتجربة الناصرية بأكملها بالفشل والسقوط استناداً إلى ما حدث فى حرب يونيو ٦٧.. دون أن يبدو على كل من يهاجم التجربة أنه يعرفها جيداً.. أو حتى يعرفها من الأساس!!
وعلى الرغم من أننى تعودت فى هذا الموقع تحديداً على غرابة الآراء وتطرفها الشديد.. فإننى لاحظت أن معظم المشاركين فى هذا الهجوم أو النقاش الحاد لم يتجاوز عمرهم العشرين عاماً بأى حال من الأحوال.. ولا تتجاوز معلوماتهم عن تلك التجربة بضعة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعى.. وربما بعض الآراء التى عثروا عليها.. والتى لم تتجرد من الهوى أبداً..!
وعلى الرغم من أننى لست ناصرياً.. ولم أتطرف أبداً فى النظرة العامة لفترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر.. فإننى أستطيع أن أعترف بكل أريحية أننى لم أر سطحية توازى الهجوم على «مشروع كامل» مثل المشروع الناصرى والحكم عليه بالفشل بهذا الشكل وهذه الحماسة.. بل ومد الخط على استقامته ليتحول الهجوم إلى هجوم على ثورة ٢٣ يوليو ذاتها.. تلك الثورة التى كانت السبب الرئيسى لتتشكل الدولة المصرية بمفهومها الحديث.. وتخرج من خانة التابع الذى يعانى الاحتلال إلى ريادة المنطقة كلها.. ودعم حركات التحرر المختلفة فى معظم الدول العربية.. والتى اتخذت من «القاهرة» مقراً لها.. بل وقامت بنهضة شاملة فى التصنيع والإنتاج المحلى.. والتعليم والفنون والأدب.. ليتم حرفياً بناء الدولة المصرية من جديد..!
المشكلة أن الأجيال الجديدة لا تعرف عن تلك الثورة وهذه الحقبة الزمنية إلا ما تجده أمامها من معلومات -كثير منها مغلوط ومفعم بالانطباعات الشخصية- على مواقع التواصل الاجتماعى.. معلومات يتم من خلالها تضخيم الأخطاء وتهوين الإنجازات.. الأمر الذى إذا أضفنا إليه حماس الشباب واندفاعهم فى تكوين الآراء.. والدعاية الإخوانية التى تكره الرئيس عبدالناصر وثورة ٢٣ يوليو كراهية الموت.. نجد أننا أمام مشكلة حقيقية.. دون أن نقف أمامها لنحاول إصلاح الصورة وتقديمها بشكلها الحقيقى..!
لقد نجت الأجيال السابقة من كل هذا اللغط لأن المعلومات كان يتم استقاؤها من الكتب لا من مواقع التواصل.. وكان التاريخ يدرس وهو مفعم بمشاعر الانتماء والفخر.. حتى مادة التربية الوطنية التى لا أعرف إن كانت ما زالت تدرس حتى الآن أم لا.. ما زال كتابها الصغير له الفضل فى كثير مما أشعر به من انتماء للعصر الحالى ولكل العصور السابقة فى هذا الوادى الطيب..!
والنظام الحالى يحاول فى كل مناسبة أن يبعث للجميع رسالة أن الدولة المصرية هى الأساس.. وأن كل الرؤساء السابقين لهم الاحترام والتقدير.. فرأينا أكبر قاعدة عسكرية فى شمال البلاد باسم الرئيس محمد نجيب.. ورأينا كلمته بمناسبة الاحتفال بمئوية الرئيس عبدالناصر.. بل ورأينا حاملات الطائرات المصرية بأسماء عبدالناصر والسادات.. فى إشارة واضحة بالفخر والانتماء.. وفى تصالح واضح وصادق مع النفس من أجل الوطن.
ربما ينبغى على الدولة المصرية أن تنتبه لما يقدم للأجيال الجديدة من معلومات.. وأن تقدم لهم مفهوم الانتماء بطريقة عصرية ليصل إليهم بشكل أكثر يسراً.. ربما عن طريق الأفلام الوثائقية أو وسائل الإعلام المختلفة..
ينبغى على الدولة أن تعلمهم أنه لولا ثورة يوليو لما تشكل التاريخ المصرى كله بهذا الشكل.. بل ربما لما كان أحد من مهاجميها مدعياً الثقافة تعلم القراءة ذاتها!!
ينبغى -فى ذكرى يوليو- أن نعلم أولادنا كيف يحكمون على التاريخ.. فبدونه ليس هناك حاضر.. ولا مستقبل.. أو هكذا أعتقد!!