عندما سمعت الجميلة المصرية حتى النخاع (شادية) تشدو (قولوا لعين الشمس ماتحماشى أحسن حبيب القلب صابح ماشى) لم أكن أدرك أن قلبى سيظل يرددها بعد أن سكنه ذلك الحب الذى لا يتغير ولا ينتهى ولا يتحرك من مكانه حتى بعد أن تعود الروح إلى خالقها حيث يبقى ويدوم ويكبر ويعلو ويظل إلى الأبد يمارس جميع أنواع الانفعالات من فرح وغناء وزغاريد ودموع فرح وخوف من ألم أو معاناة أو بعاد أو انتظار أمنيات قد تتأخر أو استغراق فى الدعاء وإلحاح وتوسل من أجل عودة أو اقتراب أو منحة من السماء أشعر أن الحبيب يريدها ولا يعلن وربما يؤجلها القدر ويظل واضعاً للعينين غشاءً يمكن أن يسمى غشاء المحبة والأمومة لأنه لا يخفى بل يوضح ويكبر مئات وآلاف المرات جميع الصور والمشاهد والأحداث منذ أول لحظة وعى لى أن هناك داخل قلبى نبتة وما هى إلا شهور وسأراها أمام عينى وألوذ بها بين أحضانى من أى قسوة أو وجع أو حزن.
فمنذ تلك اللحظة التى ما زلت أذكر رد فعل قلبى ووجهى وابتسامتى وكل خلجة من خلجات نفسى لتلقى ذلك النبأ بأنه قادم إلى حياتى من سيعطيها معنى جديداً ومذاقاً خاصاً وهدفاً أعلى وأكبر وأرقى وأشمل وأنا أتمنى أن تكون حياته كلها ربيعاً دائماً بعيداً عن حرارة الشمس الحارقة ولسعة الشتاء عندما يحلو له أن يشاغبنا ويداعبنا بالبرودة والأمطار ويدفعنا للهروب منه.
منذ ذلك اليوم وأنا أبحث وأفكر وأدخر مشاعرى ودعواتى وكل جهودى لأضعها تحت قدميه وبين يديه وأمامه وخلفه وحوله لتشكل درعاً فولاذية ضد أى ألم قد يهاجم أو يجرؤ أن يقترب.
ويبدو أن عشق الوطن ينتقل للأبناء من دماء الأم وعظامها فيولد الصغير به فقد رأيته فى سنوات عمره الأولى يمسك بالعلم ويغنى (مصر هى أمى) ويضحك ويتمنى أن يكون مثل من تربى وعاش طفولته وسطهم مثله الأعلى وحلمه واليوم عندما شاهدته وزملاءه أمامى رجالاً يقسمون على أن يكونوا فداء للوطن بقوة وعزيمة وسمعت الشعراء يتغنون لهم ويقولون إنهم (أسود الغابة قروش الميّه نسور السماء) (جبال بيهدوا براكين بيسدوا قدام اللغم بيتفجر هما المصريين عزة وفخر ودين) وجدت نفسى أتذكر أن دعوتى لعين الشمس اقترنت بمنحه الروح.
وبعيداً عن المشاعر التى تجددها المناسبات الوطنية التى عشت معها أجيالاً عديدة قرأت كلمات توضح لى سر هذا الارتباط الممتع حيث يؤكد العلماء من خلال بحث طبى نشر فى دورية (ينتشر نيوروساينس) أن وجود جنين ينمو داخل الأحشاء ليس بالأمر الهين الذى يتعرض له جسد المرأة حيث يتسبب فى العديد من التغيرات التى تؤدى دوراً رئيسياً فى الانتقال الفعلى لمرحلة الأمومة.
وقد أجريت الدراسة التى استند إليها هذا البحث فى جامعة (لايدن) على أدمغة النساء اللاتى أصبحن أمهات للمرة الأولى قبل وبعد الحمل وتعتبر هى الدراسة الأولى التى تستخدم التصوير العصبى لتتبع التغيرات التى تطرأ على الدماغ أثناء الحمل وقد أثبتت أن الأنثى عندما تصبح أماً تتعرض لمشكلات تكيفية وأخرى إدراكية كما تختلف الأولويات والمهام التى عليها تأديتها ومن ثم تحدث تغيرات فى الدماغ فى المنطقة الرمادية وهى المرتبطة بالإدراك والأمومة ومن سمات هذه الفترة زيادة كبيرة فى العديد من الهرمونات التى تساعد جسم المرأة على الاستعداد لمهامه الجديدة، والغريب أن تلك الكمية الكبيرة من الهرمونات لا يفرزها الجسم إلا مرة واحدة أخرى فى العمر وهى مرحلة البلوغ.
وهنا تأكدت وأدركت معنى أن يكون لدى ابن وسط هؤلاء الأبطال أحتمى به أنا وأمى مصر، حفظه الله، وسأظل حياتى أقول (قولوا لعين الشمس ماتحماشى). غنوا معى من أجلهم أحبائى وأصدقائى.