نظلم مؤتمر الشباب كثيراً إن اختصرناه فى دائرة الاهتمام بالشباب ومشاكلهم.. أو أنه من بين المنظومة المتكاملة التى أطلقتها القيادة السياسية للاهتمام بشباب مصر بعد إهمال وانقطاع طويل.. أو أنه فوران عفوى تم انتظامه فى مؤسسة.. أو هو مؤسسة محلية للشباب المصرى كبرت وتحولت إلى منظمة أكبر وأكبر.. قد يكون مؤتمر الشباب كل ما سبق لكن الأهم على الإطلاق أنه المدخل الحقيقى وربما الصادق لمناقشة هموم ومشكلات وطموحات وآلام وآمال المصريين.. وهى المناقشات الأكثر فاعلية وهى المناقشات الأكثر جدوى وهى المناقشات التى تأخذ مسارها.. فى أغلبها على الأقل.. إلى حيز التنفيذ.. تحول المؤتمر إلى جائزة للمحافظة التى سينعقد بها.. أدرك الناس أن المحافظة التى سيقام بها ومعها المحافظات المحيطة ستشهد اهتماماً غير مسبوق بمشكلاتها وأزماتها.. وأن تخطيطاً لها مقبلاً لا محالة.. وربما كلنا يعرف أو على الأقل سيتذكر مقررات مؤتمر شباب أسوان باعتباره أول مؤتمر ينعقد فى محافظة أخرى غير القاهرة وبعيداً عن شرم الشيخ، وإذا كانت الذكرى تنفع المؤمنين فعلينا أن نذكرهم كل حين لإدراك أبعاد الموضوع الذى نتحدث فيه أو الفكرة التى نريد إيضاحها.. ففى هذا المؤتمر المهم تقرر إنشاء الهيئة العليا لتنمية جنوب مصر وإنهاء كافة المشروعات التنموية بمنطقة نصر النوبة ووادى كركر، التى تأخرت وتعثرت طويلاً، وكذلك تخصيص مبلغ 320 مليون جنيه للانتهاء من تلك المشروعات قبل نهاية يونيو من العام الماضى، وإطلاق مشروع قومى لإنشاء مناطق صناعية متكاملة للصناعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وتبدأ المرحلة الأولى منه بإنشاء 200 مصنع صغير بكل محافظة من محافظات الصعيد خلال ستة شهور من ختام المؤتمر!
كذلك كان القرار باستمرار العمل فى توسيع نطاق إجراءات الحماية الاجتماعية من خلال تطوير برنامج تكافل وكرامة ليتضمن برامج تشغيل لأبناء الأسر التى يشملها البرنامج، من خلال إطلاق مشروعات كثيفة العمالة وزيادة الجهود الموجهة لتحسين مستوى جودة الحياة بالصعيد، لاحظ الصعيد، من خلال العمل على استمرار تكثيف الجهود فى مجالات الصحة والتعليم والنقل والإسكان، والإسراع فى تنفيذ مشروع المثلث الذهبى قنا - سفاجا - القصير على خمس مراحل متتالية، الذى يهدف إلى إنشاء مناطق للصناعات التعدينية ومناطق سياحية عالمية، بحيث يصبح هذا المثلث منطقة عالمية جاذبة للاستثمار.
ويبدو القرار التاريخى بتحويل أسوان إلى عاصمة للاقتصاد والثقافة الأفريقية والاحتفال بمرور 200 عام على اكتشاف معبد أبوسمبل للترويج السياحى لمصر وإقامة احتفالية كبرى لهذه الذكرى.. استبعاد منطقة «خور قندى» والمقدرة بمساحة تبلغ 12 ألف فدان والمطروحة بشركة الريف المصرى مع وضع تصور متكامل بشأن هذه المنطقة خلال فترة لا تتعدى ثلاثة أشهر، مراجعة موقف من لم يتم تعويضه فى الفترات السابقة لإنشاء السد العالى وما تلاها، من خلال لجنة وطنية تشكل من الجهات المعنية على أن تنهى اللجنة أعمالها خلال ستة أشهر على الأكثر!
كل هذا الكم من القرارات باهتماماتها التى تتسع فعلياً لطموحات وأحلام أبناء الجنوب رأينا مثلها عندما انطلق المؤتمر إلى الشمال فى يوليو 2017 بالإسكندرية، وكيف أدى إلى قرار بالاهتمام بآثار مدينة رشيد وبالمنطقة الصناعية بمطوبس بكفر الشيخ، وكذلك المنطقة الاستثمارية بالبحيرة وأيضا مناقشة قضية الظهير الصحراوى لمحافظة الغربية باعتبارها محافظة بلا أى ظهير صحراوى كغيرها من المحافظات، فضلاً عما جرى من إعادة تخطيط لمدينة الإسكندرية من الصناعة بها إلى الطرق والمحاور، لنكون بعد فترة أمام إسكندرية جديدة لا تعانى من مشاكلها الحالية حيث تكدس وزحام وفوضى!
مؤتمر الإسكندرية أيضاً قرر حل والرد على جميع المشكلات التى حملها الشاب «ياسين»، الذى ظل لفترة يجوب المحافظات المجاورة حاملاً شكاوى أبنائها وهمومهم إلى المؤتمر وإلى الرئيس وإلى الحكومة.. التى ردت بالفعل وتعاملت مع كل ما حمله من مشكلات!
بينما فى مؤتمر الإسماعيلية الذى سبق الإسكندرية بعدة أشهر تقرر إعلان 2018 عاماً لذوى الاحتياجات الخاصة.. وإعلان تشكيل مجموعات رقابة داخلية بأجهزة ومؤسسات الدولة من الشباب.. كذلك إطلاق مبادرة لتجميل الميادين وتقنين أوضاع المشروعات الشبابية المتنقلة التى تواجه صعوبة فى استخراج التراخيص.. إعلان تشكيل مجموعة للتحفيز والمتابعة من شباب هيئة الرقابة الإدارية ومجموعة مقابلة لها من البرنامج الرئاسى لتأهيل الشباب للقيادة لمتابعة التوصيات والخطط لعرض نتائج مؤتمرات الشباب الدورية.. دراسة تطوير المجلس الأعلى للاستثمار وتحويله إلى المجلس الأعلى للاستثمار والتصدير، بالإضافة لتفعيل دور المجلس الأعلى للمدفوعات لدمج الاقتصاد غير الرسمى وميكنة الجمارك والضرائب للحد من التسرب المالى، وأيضاً البدء فى إجراءات إنشاء المجلس الأعلى لقواعد البيانات برئاسة رئيس الجمهورية!
هكذا كان الأثر فى الداخل المصرى.. وربما ليس فى المساحة ما يكفى للحديث عن الأثر الإقليمى والدولى للمؤتمر.. بل ولا حتى باقى الأثر المحلى.. ولا حتى جهد أبناء المؤتمر وكوادره وجهدهم الأسطورى لإنجاحه.. تكفى إشارة بسيطة عن تخريج أول دفعة من الخريجين الأفارقة من البرنامج التأهيلى للقيادة.. لتدفع مصر بمئات القادة المحتملين فى بلادهم فى المستقبلين البعيد والقريب.. لنسترد بالمؤتمر أمجاداً كانت قريبة وأحلاماً كانت بعيدة.. وكلاهما يتحقق!
الخلاصة.. نحن نقف أمام تجربة فريدة تستحق التوقف من الجميع.. لتأملها وبحثها ودراستها.. إذ افتقدنا طويلاً هذا النوع من العمل المخطط.. المعتمد على الكيف وليس الكم.. لكن حبال الصبر الطويلة ستثمر فى النهاية.. وخيوط الأمل الممتدة ستؤتى حصادها.. والبشائر كالعينة.. بينة فى أماكن عديدة.. وتبدو التجربة من تفردها لا تقبل النقل أو التكرار فى أماكن أخرى إلا بشرط قاس. وهو توافر الظروف والشروط.. الموضوعية والذاتية.. ولذلك لا يملك الأشقاء والأصدقاء فى الوطن العربى وأفريقيا إلا الاستفادة المباشرة منها.