صرح الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حواره بمؤتمر الشباب بأن كل توصية تُقال فى عدد قليل من الكلمات تتكلف عدداً كبيراً من مليارات الجنيهات، وهذا تصريح غاية فى الأهمية، لأنه يكشف الحقائق ويضع الناس على أرض الواقع، وفى الحقيقة رغم التكلفة الهائلة، فإن مصر فى فترة قليلة حققت إنجازات لافتة فى العديد من المجالات على مستوى بنية الدولة أو بنية البشر، وهنا أشير بكل الفخر إلى حملة مائة مليون صحة.
فقد كان الشعور فى فترة سابقة بأن مصر أصبحت امرأة عجوزاً فقيرة، وزاد أن هدّها المرض، أرقام ضخمة حول ملايين مرضى الكبد وملايين مرض السكر، وغيرهما.
هذه الحملة أنجزت أمراً غير مسبوق، وهو المسح الصحى لكل المصريين، أعادت الإحساس بأننا نستطيع أن نخرج من دوائر الفقر والمرض، لأننا لم نعد معدومى الحيلة، ونستطيع مواجهة مشكلاتنا بقوة.
واستلهاماً من نجاح حملة «مائة مليون صحة»، أرى ضرورة البدء بحملة «مائة مليون عدالة»، لأن حالة العدالة والمحاكم فى حاجة إلى إصلاح شامل، ورغم التكلفة التى أعرف أنها هائلة، لكن المؤكد أن العدالة أولوية، لأنها تؤكد الفرق بين دولة أو لا دولة.
المحاكم والقوانين والجلسات وميكنة المحاكم كلها أمور بحاجة إلى الدعم والإصلاح، لأن دخول المحكمة أصبح من أصعب القرارات على الباحث عن العدل، لأن هناك الكثير ممن يملك القوة يستطيع سحق الآخر، وهنا يدفع الثمن الأكبر النساء.
فعلى سبيل المثال، تم تعديل قانون الأحوال الشخصية عام 2000 ليستحدث الخلع، وهو إجراء تتنازل فيه المرأة عن كل شىء للهروب من علاقة سيئة وأصبح أغلب النساء يلجأن له رغم أنها مضرورة، وقد تكون تعرضت للظلم والضرب ومن اعتدى عليها يستحق، ليس فقط أن تحصل منه على كل حقوقها، بالإضافة للتعويض، بل السجن، لكنها تفضّل الهروب بالتنازل عن كل شىء، ومع ذلك بعض القضايا بدلاً من حسمها فى شهرين تتعدى السنتين والثلاث، لتكون المرأة مضرورة ومضروبة وتعانى التجويع لها ولأطفالها، ومع ذلك تتنازل عن كل شىء، ومع ذلك تظل مسجونة فى علاقة بشعة لشخص يمارس كل أشكال التعذيب، بما فيها منعها من السفر، أو حتى الادعاء عليها كذباً بالزنى، لتجد نفسها تحاكم أمام محاكم الجنايات، وهى تتداول قضايا فى محكمة الأسرة، طالبة خلع شعر رأسها فى مقابل التخلص من هذا الرجل.
أى عدالة؟ لا نعرف.
فى 2004، حاولنا تعديل الكارثة بقانون محكمة الأسرة لتسهيل الإجراءات، فإذا بمزيد من التعقيد، وبدلاً من حسم النزاع الأسرى بملف واحد أمام محكمة واحدة أصبح على المرأة إدارة خمس عشرة قضية على الأقل، والجدعة تقدر على مصاريف المحاكم وأتعاب المحامين.
هل محاكم الأسرة فقط، ربما يظهر الظلم وقصور العدالة فى محاكم الأسرة أكثر، لكن باقى المحاكم أيضاً بحاجة إلى إصلاح شامل على مستوى الإجراءات أو المواعيد أو ميكنة الجلسات والأوراق ودعم وتدريب العناصر البشرية، فالمطالبة بحق مدنى كاسترداد شىء مسلوب أو إنقاذ أرض من البوار، أو الوقوف أمام بناء مخالف هو من المهمات التى تستغرق سنوات، مما يجعلها قد تنضم إلى سلسلة أفلام «مهمة مستحيلة».
يا سيادة الرئيس..
استطعنا فى حملة مائة مليون صحة أن نحقق ما كنا نعتقده خيالاً..
فهل نبدأ حملة «مائة مليون عدالة» للإصلاح القانونى وإصلاح المحاكم؟