الغرقان يتعلق بمنظومة.. "الوطن" ترصد من المترو أحدث حل حكومي للتواصل مع المواطن
مواطنون يتوافدون على مكتب الشكوى في محطة المترو
مكتب خشبي صغير تتقدمه لوحة بعنوان "منظومة الشكاوى الموحدة الحكومية"، حل ضيفا جديدا على بعض محطات المترو، تخلل شبابيك التذاكر ومحال الحلوى، واستقبلته محطات مترو السادات مترو "السادات، الشهداء، العتبة ، جمال عبدالناصر، والعباسية"، قبل أيام كمنصة تفاعلية لتلقي الشكاوى برعاية رئاسة الوزراء، وخلف كل مكتب يجلس موظفًا بثياب العمل الرسمية ومعه "تابلت" صغير متصلًا بالإنترنت، تدرب على استخدامه وإرسال الشكاوى من خلاله.
شباب في بداية العشرينات يتواصلون مع المواطنين ويشرحون لهم منظومة الشكاوى الحكومية الجديدة
عيون تملؤها التساؤلات عن ماهية الضيف الجديد، الذي طرأ على محطات حفظوا ملامحها من كثرة ارتيادها كل صباح إلى أعمالهم وعادوا إليها كل مساء، ليكون المكتب الجديد تغييرًا طرأ على "روتين اليوم"، وباستغراب ينظر أحد المارة إلى المكتب متفحصًا اللوحة الخشبية المدون عليها "مكتب الشكاوى الحكومية". يسأل المواطنون الموظف عن نوع الشكاوى وكيفية تقديمها، فيمر الكثيرون بعضهم منبهرون بالفكرة وآخرون لا يعبؤون بها، وعلى جانب آخر يظن بعض عمال محطات المترو أن هذه المكاتب جاءت لمراقبة أدائهم.
في محطة مترو السادات يجلس عبد الله أشرف، خلف مكتب الشكاوى مرتديا ملابسه الرسمية، معلقا في رقبته كارتا تعريفيا بوظيفته، يظنه أحد المارة مكتب استعلامات جديد فيسأله عن كيفية الذهاب إلى محطة ما، ويظنه آخر مسؤولا عن شكاوى المترو فقط، فيأتي إليه بشكوى عن تقاعس عامل نظافة أو سوء معاملة موظف شباك التذاكر، فيخبرهم صاحب الـ22 عامًا، المتخرج قبل شهر في كلية الإعلام، أن بإمكانهم تقديم أي نوع من الشكاوى وليس شكاوى المترو فقط.
بين شكاوى الصحة، والإسكان والباعة الجائلين في البلدية، يقضي "أشرف" سبع ساعات كل يوم من الثالثة عصرًا وحتى العاشرة مساء، يمسك جهاز "التابلت" الذي تسلمه من الوزارة، فيأتي إليه مشتكٍ يطلب منه بطاقة الرقم القومي، ورقما للتواصل وعنوان السكن، وينشئ له حسابًا على الموقع الإلكتروني الخاص بالشكاوى.
الإيجار والحضانة والوظيفة.. أبرز شكاوى المواطنين بمكتب المترو
بتأنٍ وهدوء يسمع عبدالله الشكوى ويسأل عن محاورها وأسبابها، ليصيغها في دقائق في كلمات واضحة ويرسلها إلى الموقع الإلكتروني، الذي يبدأ بدوره التعامل مع الشكوى في عملية يصفها بـ"الممنهجة"، حيث تصل إلى رئاسة الوزراء والتي تدري بدورها طبيعة الشكوى ثم توجهها إلى الوزارة المختصة، فتقوم الأخيرة بالتواصل مع الجهة المختصة ثم تتواصل الوزارة مع صاحب الشكوى بمجرد توافر الرد.
وبعد تسجيل الشكوى، يستأذن أشرف صاحبها بكلمات "خمس دقايق من وقتك"، يصف فيها كيفية تقديم شكوى دون الحاجة إلى مساعدة من خلال البوابة الإلكترونية التي توفرها منظومة الشكاوى، ويعطيه رقمًا يمكنه من خلاله مراسلة منظومة الشكاوى عبر تطبيق التواصل "واتساب"، بالإضافة إلى الخط الساخن الذي يتلقى أسئلة وشكاوى طوال اليوم، حيث يحاول الشاب العشريني أن يطبق ما تعلمه وزملائه في تدريبهم برئاسة الوزراء والعلاقات العامة في المترو، قبل انطلاق العمل في المكاتب.
بملامح حزينة، أراد محمد مصطفى، 30 عامًا، التعلق بأي أمل يقوده إلى حل لمشكلته ويخرجه منها، بعدما رأى عن طريق الصدفة، مكتب الشكاوى بمحطة السادات التي يبدأ منها رحلته اليومية إلى المعادي، حيث يعمل طباخًا "شيف" بأحد المطاعم، فوقف مصطفى بالمكتب فيما يصفه بـ"الغرقان يتعلق بقشاية"، يسأل عن إمكانية تقديم شكوى فيما وصفه بـ"ظلم بين وقع عليه".
كان مصطفى يسكن وأسرته المكونة من أربعة أفراد، "زوجة وطفلتان"، في شقة إيجار بحلوان، تقدم قبل 4 أعوام بطلب للحصول على شقة في منطقة 15 مايو ضمن الإسكان الاجتماعي، ليتفاجأ بعد أشهر بحصوله على شقة في مدينة السادس من أكتوبر، فيبدأ رحلة البحث عن سبب هذا الخطأ.
طرق مصطفى خلال رحلته كل الأبواب بين مختلف المصالح الحكومبة، فتوجه إلى صندوق التمويل العقاري حيث قاموا بتوجيهه إلى بنك الإسكان والتعمير حيث جرى إخطاره بإرسال بريد إلكتروني يطالب في بتحويل مكان شقته من منطقة 15 مايو إلى مدينة 6 أكتوبر، فكان الخبر صادمًا إذ لا يمكن لأحد غيره أن يفعل ذلك كون التحويل إرسال بريد إلكتروني يتطلب استخدام بطاقة الرقم القومي الخاص به، ليبدأ محاولات الحصول على إفادة بإرسال هذا البريد، تمكنه من التوجه إلى الرقابة الإدارية للطعن فيه لكن قوبل بالرفض حتى ذهب إلى الرقابة الإدارية وجرى توجيهه لوزارة الإسكان التي أعطته بدورها رقم البريد المرسل؛ ليمكنه استلام نسخة من مدير المشروع والذي رفض بدوره، وحاول إقناع مصطفى بالاستلام في 6 أكتوبر.
كان يسير على غير هدى مفكرا في خطوته التالية عند رؤيته للمكتب، ووقوع نظره على جملة منظومة الشكاوى، فبعد تقديمه الشكوى وشعوره باهتمام الموظف بصياغة شكوته وحرصه على وصولها، يرى مصطفى أن هذه المكاتب قد تكون حلا حكوميا لتقاعس وتعنت الأفراد، وطريقه لتحقيق حلمه بالحصول على شقة ترحمه من كثرة المصروفات التي لا يكفي راتبه في سدها بين "الإيجار والمدارس والحضانة".
وإلى المكتب نفسه، توجه رجل مسن فوجد الموظف منشغلًا عنه بمساعدة مواطن آخر، ليبتسم للموظف ويقول: "مش مهم أستنى المهم في حد يسمعني"، فيقوم الموظف من على كرسيه ويعطيه للمسن فيجلس منتظرا ويمارس الموظف عمله واقفا وهو مبتسم.
كان علي إبراهيم الموظف على المعاش، رأى المكتب قبل يومين، قبل أن يقرر العودة إليه ويصف معاناته اليومية، حيث تمثل محطة المترو عاملا أساسيا في رحلته اليومية التي تبدأ من مترو حدائق حلوان إلى محطة مترو السادات، فيقضي وقتا طويلا كل يوم بالمحطة يعاني فيه من غياب التكييفات أو تعطل عمل السلالم الكهربائية، وهو ما قاده للمكتب عله يجد من يسمع شكواه، ويلتفت إلى معاناة كبار السن في التنقل داخل محطات المترو في ظل الكثافة السكانية الكبيرة.
"عندي إحساس إن المرة دي صوتنا هيتسمع"، جملة يقولها إبراهيم بوجه مبتسم، بعد تقديم شكوى يصفها بـ"ريحت ضميري وواثق إن الدولة اللي وفرتلنا منصة نشتكي هتسمعنا".
وفي محطة مترو العتبة، تجد المكتب الصغير ذاته، يجلس خلفه شاب مبتسمًا يشرح لمن يسأله تفاصيل الخدمة الجديدة وخطوات تقديم الشكوى، فيأتي رجل خمسيني ويسأله عن رغبته في تقديم شكوى، لعدم حصوله على فرصة عمل في "أبناء العاملين"، يرى أنه يستحقها، حيث كان والده يعمل بأحد المصانع، وبعد وفاته تلقى "وعودا بالتعبين" لكن دون الوفاء بها.
محمد صدقي مهندس زراعي، يقول إنه لم يجد فرصة عمل في مجاله ما جعل فرصة ورثها عن أبيه الراحل منفذه الوحيد للحصول على "الرزق الحلال"، فكلما يسمع عن فرصة يسارع بالتقدم إليها سواء كانت في شركات حكومية أو خاصة، يتلقى فيها وعودا بالرد السريع أو الرد حال توفر مكان لكن بلا جدوى، ما جعله يرى مكاتب الشكاوى مفيدة جدًا ويصفها بـ"حل قريب من المواطن"، فتقدم بشكوى في "عدم الرد" وتركه بلا وظيفة ثابتة ولكن على أمل دائم.
نظرة سريعة على المكتب الجديد، ألقاها الدكتور محمد حسان أستاذ الشريعة الإسلامية، قبل أن يعود بخطوات مترددة ليسأل عن إمكانية تقديم شكوى بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء في منطقة الهرم، والذي يصحبه انقطاع في المياه أيضًا لسكان الطوابق المرتفعة والذين يعتمدون على مواتير المياه التي تتطلب وجود كهرباء لعملها.
"شوفت المكتب لأول مرة وقولت يمكن مشكلتي تتحل"، كلمات قالها "حسان" ليصف بها أسباب توجهه للمكتب، حيث شرح للموظف مشكلته وساعده في تقديمها عبر الموقع الإلكتروني للشكاوى، وأعطاه رقمًا لمتابعة الشكوى يصفه بـ"هتابعها كل شوية"، حيث كلفه الانقطاع المتكرر وعودة التيار بنسب متفاوتة، تلف الكثير من الأجهزة الكهربائية، ما جعل أستاذ الشريعة يتمسك بأي أمل في الحفاظ على ما تبقى من الأجهزة سليمًا.