لا يمل العالم القوى -غربا وشرقاً- من إملاء فهمه علينا، يحدثنا ليل نهار عن الديمقراطية والحرية والشرعية، وكأنه المالك الوحيد لصكوك الفهم! ويثبت لنا -أو لى على الأقل- كل يوم أنه مثال للتجبر والديكتاتورية المغلفة بورق السوليفان لتحقيق مصالحه وفقط. ولذا لا أمل أنا الأخرى من التحذير الدائم من الاعتماد على هذا العالم أو تصديقه أو منحه الأمان فيما يتعلق بمصالحنا أو احتياجاتنا. آخر تلك الدلائل التى أبهرتنى للحق، وجعلتنى أضحك من كل قلبى، كان موقف روسيا التى تبادلت الأدوار مع أمريكا فى أحداث أوكرانيا، ليؤكدا على استمرار الصراع بين أقطاب العالم، فروسيا التى ساندت الانقلاب الشعبى المؤيد من جيشنا فى مصر على حكم مرسى والإخوان فى 30 يونيو الماضى، وأعلنت عن دعمها الكامل لمطالب المصريين وانبهرت من إرادتهم فى تصحيح مسار ثورة 25 يناير، مؤكدة أن الشرعية الوحيدة هى شرعية الشعب الذى انتفض. تحول موقفها فجأة 360 درجة من شعب أوكرانيا الذى ثار على حكم يانوكوفيتش وأصر على الإطاحة به. وطالبت بعودة الرئيس المنتخب بالصندوق وأن الشرعية هى شرعية الصندوق وأن أى تغيير يجب أن يتم عن طريق الصندوق!! ثم هددت بالتدخل العسكرى لحماية الديمقراطية والشرعية! الله وأين شرعية الشعب؟ وأين حرية الاختيار للأوكرانيين؟ ذهبت مع الريح حينما تعارضت مع المصلحة. وتكتمل السخرية حينما تنظر للجانب الأمريكى.. فأمريكا التى انزعجت من زوال حكم مرسى ووصفت ما حدث فى مصر بأنه انقلاب عسكرى أطاح بالديمقراطية والشرعية.
وهددت بتحريك الأسطول السادس الأمريكى فى البحر المتوسط وقطع المعونات، ودعمت المظاهرات الإرهابية والأحداث فى سيناء، رافضة تصديق تحرك المصريين ورغبتهم فى إقصاء رئيس لا يحكم وجماعة فاشية خائنة، تحول موقفها هى الأخرى أيضاً 360 درجة فى أوكرانيا وتبادلت مع روسيا موقفها السابق من مصر وأخذت تتحدث عن حرية الأوكرانيين فى تقرير مصيرهم، مؤكدة أن الشرعية الوحيدة هى شرعية الشعب واختياراته ودعمها الكامل للأوكرانيين فى تحقيق مطالبهم وعزل الرئيس يانوكوفيتش المنتخب الآتى عبر الصندوق لأنه لم يحقق آمال شعبه!!!!!!!! يا مثبت العقل فى الدماغ يا رب!! وأين مطالب المصريين وحقوقهم؟؟ ما يزيد الموقف سخرية وهزلا هو أن الفارق الزمنى بين الموقفين لا يتجاوز عدة أشهر تبادلت فيه الدولتان المتناحرتان الأدوار بسلاسة متناهية دون أى حمرة خجل، يا حلاوة يا ولاد.. وحتى لا نستغرق فى ضحك على شر البلية، تذكروا أن لا أحد من هؤلاء يعنيه مصالحنا ولا بقاؤنا من عدمه، الجميع يفكر فى مصالحه، وعلينا نحن أيضاً التفكير فى مصالحنا وعدم الاعتماد على أحد.
كانت روسيا سببا من أسباب نكستنا فى 67 حينما دفعت فى استخدامنا للقضاء على قوة إسرائيل النووية قبل أن تتوسع فيها. وكانت أمريكا عونا للسادات ومبارك من بعده ولكنها لم تبق عليهما وتخلصت منهما حينما انتهى دورهما على المشهد السياسى، كما فعلت مع آخرين فى العالم. ولذا أتوسل إليكم بنى وطنى جميعاً، يا من تؤمنون بمصر ولا ترون فيما عداها وطناً.. اعملوا وأنتجوا وأخلصوا واجعلوا قراركم فى يدكم.