تذكرت الراحل عبدالسلام النابلسى فى فيلم شارع الحب، وهو ينظر للسماء مردداً: «خلاص ما تبسطهاش أكتر من كده».. بعد أن ألقت عليه زينات صدقى حلة الملوخية فنزلت فوق رأسه وأخذ رجاله يمسحونها بلقيمات العيش، حينما قرأت خبر تخصيص الرئيس الأمريكى باراك أوباما مبلغ 7 مليارات دولار للشرق الأوسط فى موازنة العام المالى الجديد!! تعجبت وأنا أُكمل قراءة أوجه إنفاق المبلغ الضخم فى تعزيز الاستقرار والأمن والشراكة الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط التى تمر بمرحلة انتقالية!! وبالتحديد مصر وتونس وليبيا واليمن، واسمحوا لى بأن أضع مليون علامة تعجب، بالإضافة إلى تخصيص مساعدات للشعب السورى، خاصة النازحين!! يا نن عينى يا أمريكا، ستفر الدمعة من عينى لهذا الحنان المفرط!. واستطرد البيان أن الخارجية الأمريكية ستتعاون مع وكالة المساعدات الأمريكية؛ لإيجاد فرص عمل ومواجهة بعض التحديات مثل مكافحة التطرف والأمن الغذائى العالمى والتغير المناخى!!! وبعيداً عن طيبة القلب الأمريكى الأخضر.. يرسم الخبر العديد من علامات الاستفهام لتفسير معانى الاستقرار التى تعنيها الرؤية الأمريكية للدول الأربع التى ذكرها البيان، خاصة بلادى. فأمريكا لا تعرف لغة الاستقرار، ولكنها تجيد لغة المصالح، فأى مصلحة ستعود على أمريكا من إنفاق مبلغ كهذا على المنطقة فى وقت صارت فيه ليبيا عنواناً للدولة الفاشلة سياسياً لا تختلف فى شىء عن الصومال. وقُسمت فيه اليمن لستة أقاليم فيدرالية. وتسير فيه تونس بشق الأنفس فى محاولة «طلسيم» حكم الإخوان فيها، وتقف مصر فى وجه مشروع أمريكى لم يكتمل، تواجه تكفيريين فى سيناء وعلى حدودها مع ليبيا، ومؤامرات إخوانية فى الداخل، بالإضافة للصعوبات الاقتصادية القاسية. فعن أى استقرار يتحدثون؟ ولذا هناك احتمالية أن توجه تلك المليارات لدعم استقرار آخر غير الذى نحلم به نحن ونعنيه، ألا وهو استقرار الفوضى ليبقى الوضع على ما هو عليه فى المنطقة مع دعم الإرهاب بكل صنوفه، يؤكد رؤيتى ما تشهده المنطقة العربية من تغييرات حادة -شرقاً وغرباً. ولعل أهم ما يمكن تسجيله فى تلك التغييرات الحادة هو المشهد فى سوريا التى تم تقسيمها لكنتونات يحكم كل منها فصيل تكفيرى مسلح، مع بقاء نظام لم يعد يسيطر بشكل كامل. والمشهد فى دول الخليج والخلافات فيما بينها وبين قطر، بالإضافة للمشهد فى السعودية، التى شهدت مؤخراً حدثين مهمين؛ أولهما إقرار قانون الإرهاب الذى يجرم جهاد السعوديين خارج المملكة بالسجن مدة من خمسة إلى عشرين عاماً. بعد ورود معلومات تؤكد وجود نحو 10 آلاف سعودى فى صفوف جبهة النصرة والدولة الإسلامية فى العراق والشام القريبتين من تنظيم القاعدة، واستعدادهم للعودة لتغيير الحكم فى السعودية. بالإضافة إلى سحب ملف سوريا من الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات وأمين عام مجلس الأمن الوطنى السعودى، الداعم الأول لإرسال السلاح للمعارضة السورية بالتنسيق مع أمريكا. كل هذه التغييرات تفرض علينا الانتباه لتلك المليارات الآتية من العم سام الذى لا يمل من تغيير سياساته وفق بوصلة مصالحه، ولذا انتبهوا مجدداً أيها السادة واعلموا أن الحدأة تعشق اختطاف الكتاكيت.