فضيلة الشيخ محمد إبراهيم عبدالباعث الكتانى، واحد من كبار علماء مصر والعالم الإسلامى، وهو أزهرى أشعرى صوفى، وقد صدر قرار بوقفه عن الخطابة، لأنه قال عبارة يبدو فى ظاهرها الخطأ، ونحن نقول إن أى إنسان مهما بلغ قدره، وعلا شأنه يقع فى الخطأ، وقد قال سعيد بن المسيب: «ليس من شريف، ولا عالم، ولا ذى سلطان إلا وقع فى الخطأ»، والأستاذ الكبير الشيخ «الكتانى» يجرى عليه ما يجرى على بقية الناس، من وقوع خطأ أو أو هفوة، وهذا لا يقلل من مكانته، ولا ينتقص من شأنه. كما أن فضيلة الدكتور وزير الأوقاف يهمه التزام الخطاب الدينى على المنابر، ولا بد أن لديه اعتقاداً بأن ما فعلته الوزارة فيه صالح الدعوة، وأنه لصالح الدعوة أيضاً فلن يتأخر عن الرجوع فى القرار لو عرف أن مصلحة الدعوة تقتضى ذلك، لأنه حين يتأكد من أن الشيخ «الكتانى» يسد أكبر ثغرة فى مواجهة الأفكار المنحرفة فإنه لن يسمح بإبعاده عن المنبر.
الذى أريد قوله هنا هو أهمية التفرقة بين شخصين عند الخطأ:
الأول: بين شخص يلتزم بقواعد «الأوقاف»، ولا ينحرف عنها طوال مدة الخطبة، لكنه بعيد عن المنبر نجده قد انحرف فى منهج البحث والنظر والاستدلال، واستهلك جهده فى صراعات سياسية، وأنكر الدولة، والمواطنة، وحجب الله عنه محاسن العلم وقدسيته، فاختل عقله الفقهى وانحرف، وغلب عليه مداهنة العوام بحماس طائش، وتأويلات ملتهبة، وتفسيرات غاضبة، وتحول علمه إلى نار موقدة، تمزق الأمة، وتنهار على أثرها المجتمعات والمؤسسات، وتسيل الدماء، ولا يدل أتباعه إلا على جهله، ولا يرشدهم إلا على ظلمته، ويَقذف بالشباب فى معارك وهمية عبثية لا منتهى لها، ومسائل فقهية ميتة، كالنقاب والموسيقى والغناء، ويتهم الأمة بالبدعية والشرك، ويهدم مقاصد الشريعة تحت عناوين خادعة، كمقاومة الظالمين، وتطبيق الشريعة، والتمكين، أو مثل نشر المذهب السلفى، والتوحيد، ومحاربة الشرك، ومكمن الخطورة هنا فى الداعى للفكر المنحرف، وفى قاعدة الجمهور المستعد للتلقى عنه، والانصياع له، واتخاذه مرجعية حتى لو لم يخالف فى الظاهر قواعد الوزارة، ومثل هذا ينبغى أن يمنع من الخطابة والدروس، حتى لو لم يخطئ فى خطبته أصلاً، بل إن مثل هذا لو اكتفى فى خطبته بقراءة القرآن فقط لوجب منعه، لأن مجرد وجوده مكمن خطورة، ومثال ذلك ياسر برهامى وأتباع التيار السلفى والإخوانى وكل خوارج العصر، وقد أحسنت الوزارة فعلاً حين منعت بعض هؤلاء.
الثانى: مثاله الشيخ «الكتانى»، عالم كثر صوابه جداً، واستقام فكره، وانضبط منهجه، وصحح المفاهيم فى كتبه وخطبه ودروسه ومحاضراته، ثم ظهر لبعض المتلقين أنه أخطأ فى عبارة صدرت سهواً، أو عمداً، أوصله إليه اجتهاده، لكنه فى عموم فكره ومنهجه وتصوراته منضبط متزن، وقائم على ثغرة مهمة، وأغلق نوافذ الفتن والتطرف، فهذا لا تهدر محاسنه، ولا نستبيح الوقيعة فيه بهفوة، وإن فعلنا ذلك نكون أغلقنا باباً كبيراً يمثل حماية للشباب من الانحراف، ويا ليته باب عادى، لكن باب الشيخ «عبدالباعث»، العالم الكبير الذى يقف بالمرصاد أمام التأويلات المنحرفة، والتفسيرات الشاذة، والتحريضات الفجة التى تنشرها تيارات التطرف، بل إن الشيخ «الكتانى» لو لم يكن موجوداً فى الإسكندرية لتحولت المحافظة إلى ساحة سلفية بامتياز من أقصاها إلى أدناها، فأتمنى من السيد الوزير أن يعيد النظر فى القرار، ليرجع الشيخ إلى منبره من جديد، يكمل مسيرته فى نشر العلم المنضبط، والتدين الذى يصنع حضارة، ومواجهة التطرف والتشدد، وهذا عين ما يحتاجه الوطن، ويريده الوزير.