تعلَّمنا فى المدارس ونحن صغار أن مصر تتسم بمناخها المعتدل، وتتميز بموقعها الجغرافى المتوسط، وحين كبرنا تعلمنا من الحياة أن مصر تتميز عن كل بلدان العالم ببناء العقارات من أول ليل الخميس وحتى نهاية السبت، أى فى أيام العطلات فقط، وإذا رغب البعض فى مواصلة العمل، فيتخذ من الليل ستاراً حتى الفجر طوال أيام الأسبوع.
عاداتنا على غير ما يجرى فى العالم كله، لذلك نحن نتميز ببناء العقارات ليلاً، رغم أن الطقس والمناخ ودرجات الحرارة لا تعيق العمل نهاراً، وبالطبع فإن القاصى والدانى يعلمان أن الليل ستار للحرامى، وغطاء لمخالفى القانون، ومبرر لغياب رقابة المعنيين على متابعة العمل.
ألطف شىء وجود لوحة على كل العقارات تحت الإنشاء، مكتوب عليها ترخيص بناء رقم «...» بتاريخ «...»، ولا يوجد أثر لعدد الطوابق والارتفاع المسموح بهما، فلا تجد ما يؤكد قانونية أو مخالفة البناء لمفردات التصريح، وكأن هناك من يُخرج لك لسانه وأنت تسير فى الطريق شاهداً على مخالفة وانتهاك القانون.
الشاهد أننا إزاء موروث من حقب وعهود سابقة، توارثناه رغم وجود جهاز كبير اسمه الإدارة المحلية، يتكون من وحدات متعددة المستويات، من أول الأحياء، إلى المدن، يضم أعداداً من الموظفين لا تُعد ولا تُحصى، ولا تستطيع أن تفهم أو تعرف كيف تقع كل تلك المخالفات للقانون، فى وجود هذا العدد من الموظفين، وما هى الأدوار الحقيقية التى يقومون بها.
منذ 2008 وحتى الآن، لم تشهد البلاد انتخابات للمجالس المحلية، 11 عاماً تقريباً غابت فيها الأداة الشعبية للمراقبة والمتابعة، فغابت كل أشكال السيطرة والقدرة على تنفيذ القانون، الحكاية باختصار أن جهة رقابية غابت، وجهة تنفيذية لا تجد من يراقبها، فتاهت المعالم.
ستظل مظاهر خرق القانون ومخالفته، وانتشار مظاهر الفوضى فى الميادين العامة والطرقات الرئيسية، واختفاء الأرصفة، وغيرها من كل أشكال غياب الالتزام، مشاهد تعكس الأثر العميق لغياب المحليات، ولن يشعر الناس بقيمة كل ما يحدث فى حياتهم، طالما ظلت مشاهد خرق القانون أمام أعينهم، حتى فى ظل وجود الإدارات المحلية فى عهود سابقة، ولن يُجدى حديث فى إقناع الناس بعكس ما يرونه ماثلاً أمامهم، وستذهب كل الجهود المبذولة سُدى، وسنظل نحرث فى البحر، بلا نتيجة محددة، حتى يرى الناس بأنفسهم قانوناً ونصوصاً وآليات، نصوصاً ترسم الحدود بين المسموح وبين الممنوع، وآليات تضمن تنفيذ تلك النصوص. المحليات هى الحل، ليس شعاراً وإنما وسيلة، من أجل تطبيق قانون يجب أن يتضمن نصوصاً رقابية حقيقية.