"عروسة" و"سبايدر" و"لبس جديد".. "الوطن" توثق "سنة أولى روضة"
أول يوم رياض أطفال
يتراصون على رصيفها، منتظرين لحظة تكاد تكون الحاسمة بالنسبة لهم بفتح أبواب المدرسة، وكأنها باب الحياة، فهذا أول يوم دراسي لأبناءهم، اليوم الذي يصبح ذكرى محفورة في أذهان كل طفل، يسبقه مشاعر متخبطة بين فرحة وسعادة الآباء بذهاب أبنائهم للمدرسة والأبناء بتجريب ذلك الشيء كونه طالب بالمدرسة مثله كمثل أخواته، وبين الخوف والرهبة من ترك الآباء لأبنائهم، فهذا بمثابة أول فراق حقيقي بينهم، وبمجرد أن تفتح المدرسة أبوابها، تجد الأبناء المقبلين على الالتحاق بالروضة "كي جي"، يتسارعون إلى الدخول للمدرسة ساحبين يد آبائهم للدخول معهم، معلنين رغبتهم في الالتحاق بالمدرسة ورفضهم بترك الآباء لهم.
في محيط مدرسة "حلمية الزيتون الرسمية المتميزة للغات"، الكائنة بـ حي حلمية الزيتون القاهرة، حيث الازدخام المروري الذي يزداد بحلول العام الدراسي الجديد، وبشكل خاص أول يوم، يتحرك الأبناء الآباء في مشهد لتوثيق أول يوم دراسي لصغير العائلة خاصتهم، تاركين أشغالهم في الساعات الأولى من اليوم، ليغلب على الجو العام الحماس الزائد من جانب أولياء الأمور، والشغف الشديد من جانب الأبناء، وبالرغم من ذلك إلا أن الأبناء وبمجرد وصولهم للمدرسة يسيطر عليهم الخوف والشعور بالحنين والمطالبة بالعوده للمنزل مع آبائهم خشية تركهم.
حماس شديد لدى "زياد" لمعايشة تفاصيل يوميات أخوته الدراسية
يرتدي الزي المدرسي حاملا حقيبته المدرسية، ممسكا بيد والدته من جهة وأخته الكبرى من جهة أخرى، طالباً منهم عدم تركه والدخول معه بالداخل حتى ينتهي يومه الدراسي، الطفل زياد إيهاب الذي كانت ينتظر أول يوم دراسي له بشدة، حسب قول، والدته ريهام عبد الله لـ"الوطن"، فكثيرا ما كان يطلب منها أن يذهب مع إخوته إلى المدرسة، عندما كان يستمع إلى حكاويهم فيما بينهم عن ما يحدث من تفاصيل يوم دراسي مليء بالأحداث، فتتولد لديه نزعة فضول والرغبة في معايشة تلك التفاصيل.
منذ أن علم أنه سيلتحق بالمدرسة، أخذ يتحضر ويهيئ نفسه لذلك، طالبا من والده إحضار الزي المدرسي خاصته فضلا عن جميع المستلزمات الدراسية، ومنذ أكثر من شهر يرتدي يوميا الزي الخاص به لتجريبه ثم يطلب من والدته بأن تلتقط له مجموعة من الصور، حتى يستطيع أن يحتفظ بها ويشاهدها على هاتفه الخاص به، "منامش من امبارح" بتلك العبارة عبرت ريهام عن مدى سعادة طفلها زياد ولهفته الشديده لحلول الصباح حتى يحضر للمدرسة، مشيرة إلى أنه من الصعب عليها ترك طفلها لعدد من الساعت يوميا دون أن يكون أمام عينيها، فهذه المرة الأولى التي تتركه وتفارقه، وبالرغم من ذلك فهي سعيدة بوصوله لتلك المرحلة "حسيت إنه كبر ولازم يعتمد على نفسه".
الأم تستعين بذكرياتها لأول أيامها الدراسية لتحفيز طفلها على إنهاء يومه الدراسي
دون ملل، كان يقف باكيا متمسكا بها بشدة رافضا عبور بوابة المدرسة، اقتربت منه حتى أصبحت على مستوى نظره، واعدة إياه بأنها ستعود له بعد ساعتين فقط لتأخذه، "رضوى علي" الموظفة بإحدى شركات البترول، أخذت تروي لطفلها قصتها مع أول يوم دراسي لها، عندما كان يصطحبها والدها للمدرسة وكانت خطواتها تسبقه، رغبة منها في بدء يومها الذي هو بذرة لحياة ومرحلة جديدة تقبل عليها، حسب قولها، مستكملة حديثها معه بأنها "أحبت معلميها وزملاءها، حيث كانت تجد من هم في سنها لتلعب وتقضي معهم أوقات تملؤها البهجة والضحك".
"هلعب مع صحابي لحد ما تيجي تاني"، بتلك العبارة أنهى الطفل إياد حديثه مع والدته رضوى، بعد أن مسح دموعه التي أنهتها والدته بعد أن قصت عليه ذكريات أول يوم دراسي لها، وفي حديثها لـ "الوطن" تروي رضوى مدى الاختلاف الشديد بين طبيعة الدراسة عندما كانت طفلة والدراسة في الوقت الحالي، حيث كانت تذهب إلى مدرسة حكومية، على مستوى عال من جودة التعليم، لافتة إلى أنها كانت فترة خالية من التعقيدات التي يتعرض لها الأطفال في الوقت الحالي، سواء كانت بمطالب المدرسة والمعلمين، أو بطلبات الأبناء.
الطفلة "كنزي" تصطحب عروستها المفضلة لتشاركها تفاصيل أول يوم دراسي لها
جاءت إلى المدرسة مصطحبة عروستها التي لا تستطيع أن تتخلى عنها، مقلدة تسريحة شعر تلك العروسة حيث الضفيرتين ذواتا الشعر الطويل، وعلى وجهها ابتسامة شغف تلفت الأنظار لها، ينظر إليها والدها، ليلقنها تعليمات الأمان خاصته.
إيهاب خالد، الشاب الثلاثيني والذي يعمل بإحدى شركات الاستيراد والتصدير، جاء مصطحبا ابنته كنزي ووالدتها لتوصيل ابنته الأولى لمدرستها، وتلقينها عدة تعليمات تسير عليها حتى لا تتعرض للأذى، "فرحان إنها كبرت.. بس خوفي عليها بيزيد"، عبارة رددها إيهاب ليعبر بها عن مدى خوفه عليها، حيث إنها المرة الأولى التي يفارقها بها، مبررا ذلك بكونها غير اجتماعية وتهاب الازدحام.
يصادف معلمتها أمام المدرسة، حيث كان تعرف عليها عندما كان يقدم لابنته بالمدرسة، ليوصيها على ابنته شارحا لها طبيعتها التي تنم على انطوائيتها، طالبا منها مشاركة ابنته في أي من الأنشطة المدرسية، حتى تستطيع أن تختلط بزملائها بشكل أكبر، لترد عليه المعلمة مطمأنة إياه "متقلقش كلهم ولادي وهاخد بالي منها".
وبالانتقال إلى إحدى مدارس منطقة عين شمس "عمر بن عبد العزيز الرسمية للغات"، كان المشهد يشبه انتظار أولياء أمور طلاب الثانوية العامة لأبنائهم خلال آدائهم للامتحانات، حيث اصطفت السيدات جالسات على رصيف المدرسة، منتظرات أبناءهن حتى ينتهوا من اليوم الدراسي الأول لهم، خوفا منهن على أن يبكي أحدهم رافضا جلوسه في المدرسة.
إيمان: فرحة بنتي بملابس المدرسة زودت رغبتها للذهاب إليها
إيمان السيد، السيدة الأربعينية المتفرغة لتربية أبنائها، تروي للوطن كواليس شراء طفلتها لمستلزمات المدرسة "كانت رافضة فكرة إنها تسيبني.. ولما اشتريلها ملابس المدرسة كانت فرحانة جدا"، كلمات رددتها إيمان لتشرح بها تحول رغبة ابنتها بالذهاب إلى المدرسة، بعد أن كانت تهاب الفكرة، وعن تفاصيل شرائها لمستلزمات المدرسة.
تقول إيمان إن متطلبات الحياة يوما بعد يوم تصبح أصعب بكثير، "فالدراسة أيام زمان كانت سهلة ومتطلباتها بسيطة، ولكن في الوقت الحالي، وبعد اتجاه الآباء لإلحاق أبنائهم بمدارس اللغات أصبح الأمر أكثر تعقيدا، نظرا لمتطلباتهم الكثيرة، سواء كانت بأموال أو بأدوات أو ملابس وغيرها من المصاريف الأخرى، "لسه طفلة وبخاف عليها" عبارة رددتها لتبرر بها عدم اشتراكها لابنتها في أتوبيس المدرسة، مشيرة إلى أنها ستأتي معها يوميا لاصطحابها للمدرسة، ثم تعود مرة أخرى لاصطحابها إلى المنزل عقب انتهائها من اليوم الدراسي.
محمد: جبتله شنطة عليها "سبايدرمان" عشان يحب المدرسة
يحتضن حقيبته التي اختارها دونا عن غيرها، حيث سبايدرمان الرجل العنكبوتي، البطل خاصته الذي يرتسم على الحقيبة بأكملها، حيث جلبها له والده لتشجيعه على الالتحاق بالمدرسة بعد أن كان لديه رهبة من ذلك، "هنخلص مهمتنا وهنرجع البيت تاني"، كلمات رددها والد الطفل هيثم تشجيعا له على استكمال يومه الدراسي دون ملل بعد أن طلب منه العودة للمنزل، مستعينا بسبايدرمان الرجل العنكبوتي الذي ينهي المهام الصعبة، واعدا إياه باصطحابه للملاهي في يوم الإجازة.
"دي الطريقة الوحيدة اللي بقدر أقنعه بيها إنه يعمل أي حاجة"، كلمات عبر بها محمد عن أهمية اتخاذ الأطفال من الأشخاص قدوة لهم، ولكن للآباء دور كبير في انتقاء القدوة لدى أطفالهم، فلابد أن تكون هناك شخصية ناجحة وفي الغالب تفعل أشياء خارقة حتى يقوم الأطفال باتخاذ مسيرتهم، حتى وإن كانت غير واقعية، لكنها تعلو من سقف طموحهم، وحب هيثم لشخصية سبايدرمان تجعله يقوم بمهام كثيرة لم يرغب في فعلها.
إحدى المعلمات: الأجيال اختلفت ومتطلباتهم زادت
وتقول "آية"، إحدى معلمات مدرسة عمر بن عبد العزيز، أن كواليس اليوم الدراسي اختلفت كثيرا في تلك الأيام عن غيرها، حيث إنها عندما كانت طالبة، كانت تفيق كل صباح بمفردها دون مساعدة من أحد، ثم تتناول فطارها وترتدي ملابسها وتذهب للمدرسة دون أن يذهب معها أحد نظرا لقرب مدرستها من منزلها.
وعندما أصبحت معلمه منذ 10 سنوات رأت اختلاف الأجيال وتطورها في تلك المدة الزمنية، لافتة إلى أن استخدام الأطفال للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل دائم وغير مقبول، أدى إلى اختلاف احتياجات ومتطلبات الأطفال والطلبة، كما أدى إلى اختلاف المعاملة فيما بينهم، حيث تصاعدت النزعة التفاخرية بممتلكاتهم، وهذا أكثر ما يولد مشكلات، كما تزداد الفجوات فيما بينهم.