رئيس الهيئة العامة للمطابع الأميرية: عصر الورق لن ينتهي أبدا رغم انخفاض حجم المطبوعات الورقية
اللواء مهندس عماد فوزى
بينما تستعد الهيئة العامة للمطابع الأميرية، أقدم وأكبر المطابع فى مصر والعالم العربى، للاحتفال بمرور 200 عام على إنشائها فى نوفمبر 2020، التقت «الوطن» اللواء مهندس عماد فوزى، رئيس الهيئة، الذى أكد الدور البارز للمطبعة فى بناء مصر الحديثة خلال عصر محمد على باشا، والتى ارتكزت آنذاك على 3 أعمدة هى التعليم والصحة وجيش قوى.
لواء مهندس عماد فوزى: نطبع "الجريدة الرسمية" و"الوقائع المصرية".. والاشتراك متاح للجميع
تتنوع مجالات الهيئة بين الأنشطة المختلفة، ولا تزال تؤدى أدواراً مهمة تتمثل فى طباعة الوثائق الرسمية والحسابية والكتب المدرسية وكراسات الإجابة على الامتحانات، فضلاً عن طباعة «الجريدة الرسمية»، وملحقها «الوقائع المصرية»، اللتين تضمان كل القوانين والقرارات الصادرة عن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ونشرها يُعد شرطاً لبدء تطبيقها.
ويؤكد رئيس الهيئة، فى حواره، أن ظهور وسائط تكنولوجية جديدة، وتراجع استخدام الورق، دفع المطبعة، التى تم إنشاؤها فى القرن 19، إلى استحداث مجالات جديدة لمواكبة القرن 21، حيث استعانت بتكنولوجيا الطباعة الرقمية، فضلاً عن استخدام «الليزر» فى الطباعة على أغلفة الكتب والخشب والجلود، وطباعة الوثائق والكارنيهات المؤمَّنة ضد التزوير، رغم إيمانه المُطلق بأن عصر الورق لن ينتهى أبداً.
نستهلك 25 ألف طن سنوياً
ما القيمة التاريخية والثقافية التى تحملها المطابع الأميرية؟
- المطابع الأميرية تأسست عام 1820، بقرار من محمد على باشا فى إطار سعيه لبناء دولة قوية، وإدراكه بضرورة الاعتماد على 3 أركان رئيسية، أو مثلث من 3 أضلاع، أحد أضلاعه وجود جيش قوى يحمى مقدرات الدولة، والضلع الثانى الصحة، وهذان الضلعان يستندان على قاعدة رئيسية وهى قاعدة التعليم، وفى هذا الإطار كان الهدف من إنشاء المطبعة الأميرية، وكان محمد على يعمل وفق نظام، ففى 1815 أرسل بعثة لإيطاليا تضم 5 شباب، استمرت نحو 6 سنوات لتتعلم فنون الطباعة وسبك الحروف، واشتروا من هناك أول 3 ماكينات طباعة، وأثناء فترة وجودهم بإيطاليا تزامن ذلك مع إنشاء المطابع الأميرية بمكانها القديم فى رملة بولاق، وانتهى تشييد المبانى فى 1820، وتركيب الماكينات عام 1821، وأول مطبوع خرج وقتها كان قاموساً عربياً إيطالياً، وبعدها تم طبع أول كتاب عسكرى اسمه بالتركى «خنبره جدولى»، ومعناها بالعربية «جداول المدفعية»، وتلتها كُتب عسكرية أخرى، فالغرض الرئيسى من إنشائها كان طباعة كتب تدريب الجيش، وفى 1823 جرى طبع أول كتاب عن الإسلام اسمه «جوهرة بهية أحمدية فى السنة المحمدية».
كانت المطبعة تابعة لديوان الجهادية حتى سنة 1838، عندما أنشئ ديوان المدارس، فانتقلت تبعية المطابع الأميرية له، وفى عام 1828 اشترى محمد على 5 ماكينات من فرنسا، وبدأ طباعة أول جريدة فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا وهى «الوقائع المصرية»، وصدر عددها الأول فى 3 ديسمبر 1828، وترأس تحريرها رائد النهضة رفاعة الطهطاوى، ثم جاء بعده الإمام محمد عبده، وساعده الزعيم سعد زغلول.
وظلت المطابع الأميرية تابعة للوالى حتى 1862، وبسبب الظروف الاقتصادية لحفر قناة السويس، أهدى الخديو إسماعيل المطابع الأميرية لعبدالرحمن باشا رشدى، وحملت اسمه وقتها وتغيرت إلى مطابع عبدالرحمن باشا رشدى الأميرية، واستمر الوضع حتى 1880، حيث اشتراها الخديو توفيق من ورثة عبدالرحمن رشدى، وعادت إلى أحضان المطبوعات الحكومية فى عام 1882، وظلت تابعة للوالى أو السلطان أو الملك حتى ثورة يوليو 1952.
ننتج 779 مليون "ملزمة" معظمها من أوراق مصنَّعة محلياً.. و168 مليون كراسة إجابة
ما أهم التغيرات التى طرأت على المطابع الأميرية بعد ثورة 1952؟
- فى عام 1956، أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قراراً جمهورياً بإنشاء «الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية»، لتسيير الأمور فى المطبعة الأميرية، وفى 1958 أصدر قراراً آخر بإنشاء «الجريدة الرسمية»، بمناسبة إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، وإعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة، لتكون الجريدة الرسمية للإقليم الجنوبى، وفى هذا الوقت تحولت الوقائع المصرية إلى ملحق للجريدة الرسمية، وتصدر أسبوعياً يوم الخميس، بينما تصدر الوقائع المصرية بشكل يومى. وقبل قرار إنشاء الجريدة الرسمية، كانت الوقائع المصرية هى الجريدة اليومية من سنة 1828 حتى سنة 1958، ثم أنشئت الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية وظلت تبعيتها لوزارة الصناعة حتى سنة 1976، ثم انتقلت لوزارة الثقافة، ثم وزارة التربية والتعليم فى عام 1978، إلى أن أصدر الرئيس أنور السادات قراراً بعودتها ثانية إلى وزارة الصناعة فى عام 1980، ولا تزال فى حوزتها حتى الآن.
ما أبرز أنشطة الهيئة حالياً؟
- الهيئة تطبع الجريدة الرسمية وملحقها «الوقائع المصرية»، وتتحدد الأعداد المطبوعة وفقاً لأعداد المشتركين، بخلاف النسخة الورقية منهما، والجريدة الإلكترونية، والاشتراك متاح لأى مواطن عبر تقديم طلب بهذا الصدد فى إدارة النشر الإلكترونى، فيتم وفقاً لذلك إرسال الجريدة إليه بشكل يومى على البريد الإلكترونى، وبالنسبة للورقية فإما تُرسل يومياً أو أسبوعياً أو شهرياً، وفقاً لرغبات المشتركين، ولدينا اشتراكات عدة من الجهات الحكومية والمحامين والمستشارين.
وبخلاف الجريدة والوقائع، هناك «المطبوعات ذات القيمة» وهى الخاصة بوزارة المالية، وتوزع على الجهات الحكومية، وهناك «المطبوعات الحسابية» التى تتعامل بها دواوين الوزارات والمصالح الحكومية، والمطبوعات الموحدة وهى كراسات الإجابة الخاصة بمديريات التربية والتعليم (الابتدائية، الإعدادية، الدبلومات الفنية)، ونطبع نحو 168 مليون كراسة إجابة سنوياً، وفيما يتعلق بكتب التربية والتعليم نأخذ من الحصة التى توزعها الوزارة، وفقاً لشروط المناقصة والطاقة الإنتاجية لكل مطبعة، ونسبتنا لا تتعدى 7% من كتب «التربية والتعليم»، كما نطبع كتب التعليم الخاصة بالأزهر، وبخلاف ذلك نطبع أى شىء مثل الكتب والمجلات وغيرها.
سلمنا الكتب الدراسية قبل بدء الدراسة
هل انتهيتم من طبع كتب «التربية والتعليم» هذا العام؟
- لأول مرة منذ 4 أو 5 سنوات، سلمنا الكتب المطلوبة بنسبة 100% لوزارة التربية والتعليم، الشهر الماضى، ونعرف أن الوزارة تسلمت نحو 80% من إجمالى الكتب من بقية المطابع.
هناك عناوين كتب ثقافية صادرة عن الهيئة تعرض فى منافذها.. فما قصتها؟
- ضمن الأنشطة الجديدة فى الهيئة، إنشاء إدارة للنشر، وكان النشر نشاطاً فى الهيئة منذ بدايتها ثم توقف لفترة، وفى نوفمبر 2018، أعدناه مرة أخرى، واشتركنا بـ25 كتاباً فى معرض القاهرة الدولى، بينها كتب مثل «آفاق العصر» للدكتور جابر عصفور، و«فقه عمارة المساجد» للدكتور خالد عزب، و«أحمد فؤاد نجم.. ضمير مصر الحر»، و«حكاوى مطبعجية»، و«حكاوى الأميرية»، والأخير عن المطابع الأميرية.
ما شروط النشر فى الهيئة؟
- لأى مؤلف الحق فى نشر كتابه بالهيئة، فعليه أن يتقدم أولاً بمشروعه لعرضه على لجنة تقييم خاصة، ثم نشره حال إجازته من قبَل اللجنة.
لدينا نوعان من الأحبار المؤمَّنة أحدهما يختفى عند 35 درجة مئوية والآخر يظهر بالأشعة فوق البنفسجية
ماذا عن الجديد فى جهود تطوير الهيئة لتواكب التطورات التكنولوجية المتلاحقة؟
- فى 2017 جددنا ورشة الطباعة الرقمية نظراً لميزات الطباعة الرقمية، وإمكانية طبع نسخة واحدة بنفس ثمن ألف نسخة، والماكينة المستوردة حصلت على المركز الأول فى مهرجان «دروبا» 2016 للإنتاج العالى أو المتوسط، وهو أكبر مهرجان للطباعة على مستوى العالم، يقام فى ألمانيا كل 4 سنوات، واشترينا ماكينتين، سرعة الواحدة 100 ورقة 4 لون فى الدقيقة، وتم شراء ماكينات جديدة لطبع الكروت الشخصية، مثل الشهادات الصحية التى تصدرها وزارة الصحة بحيث لا يتم تزويرها، وهذه ضمن المجالات الجديدة التى نعمل عليها الآن، وهى الوثائق المؤمَّنة، وكيفية تأمين الوثيقة الحكومية بحيث يصعب تزويرها، وجرى ذلك على عدة مراحل، فتأمين الوثائق يتم من خلال تأمين الورقة منذ مرحلة التصنيع، سواء من خلال ألياف ضوئية أو علامة مائية مطبوعة فى النسيج الخاص بالورقة، أو استخدام أحبار مؤمَّنة، أو التصميم نفسه مؤمَّن، والأحبار المؤمَّنة كانت تستورد بالكامل، ولكن منذ عامين جرى توقيع بروتوكول تعاون مع شركة «العبور» للبويات، وهى شركة قطاع أعمال عام، ونجحنا فى إنتاج نوعين من الأحبار المؤمَّنة، الأول عبارة عن حبر حرارى يختفى عند درجة 35، وآخر يظهر بالأشعة فوق البنفسجية لاستخدامهما فى تأمين الوثائق.
جددنا "الورشة الرقمية" فى 2017
وضمن التقنيات الجديدة «حفر الليزر» على الخشب والزجاج والجلد، وأى منتج غير معدنى، والماكينة التى اشترتها المطابع الأميرية لذلك الغرض هى ماكينة حديثة تعمل على مساحة متر/ 160 سم، ويمكن استخدامها فى عمل أشياء كثيرة مثل أغلفة المصاحف والكتب، وبدلاً من كتابة عنوان الكتاب ببصمة ذهب أو فضة، يمكن حفره بالليزر.
بدأنا إنتاج "الوثائق المؤمَّنة" لمواجهة التزوير
متى بدأ نشاط الوثائق المؤمَّنة؟
- مشروع الوثائق المؤمَّنة من المشروعات الجديدة التى بدأت السنة الماضية بعد أن تلاحظ وجود شهادات تم تزويرها صادرة عن المحليات، ولجأنا إليه فى إطار محاولات غلق أى باب للفساد، وأصدرنا لشبكات المياه نحو 2000 نموذج لمنع تزويرها، وكذلك الشهادات الصحية، وأى مشروع فى مجال الأطعمة لا بد من تسجيله فى وزارة الصحة أولاً، والحصول على هذه الشهادة، ووزارة الصحة تطبع لدينا لمكافحة التزوير، وقد أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى شهر ديسمبر الماضى، الاستراتيجية الجديدة لمكافحة الفساد، وهذه ضمن الأنشطة.
كم حجم استهلاك الورق سنوياً.. وهل نستورده أم يتم تصنيعه محلياً؟
- المطابع الأميرية من أكبر المطابع التى تُنتج مطبوعات سنوياً، وننتج 779 مليون «ملزمة» من الفرخ الـ100 سم x 70 سم، وهو فرخ يُنتج 16 ورقة بعد تطبيقه، وهذه طاقتنا الإنتاجية، ونستهلك سنوياً بين 20 و25 ألف طن ورق أبيض، بخلاف بقية أنواع الورق الأخرى، ومعظم إنتاجنا من الورق المحلى، وهناك تعاون مع شركتى «قنا» و«إدفو»، أكبر شركتين وطنيتين لإنتاج الورق، نظراً لحجم استهلاكنا الضخم، أما بقية أنواع الورق مثل «المكربن» و«الكوشيه»، فكلها تأتى من موردين فى السوق، ومعظمها استيراد ولا تُنتج محلياً.
دخلنا مجالات طباعة الكروت والطباعة بالليزر وتغليف المنتجات للتغلب على تراجع كميات المنتجات الورقية
ما مدى تأثير ظهور وسائط وأدوات تكنولوجية جديدة كالموبايل على المطبوعات الورقية؟
- طبقاً لدراسة أعدتها المطبعة، فالمطبوعات الورقية انخفضت فى أوروبا وأمريكا، وزادت فى جنوب شرق آسيا وأمريكا الجنوبية، والإجمالى على مستوى العالم فالمطبوعات الورقية زادت ولم تقل، والاتجاه فى مصر خفض المطبوعات الورقية، وهذا ما دفع الهيئة إلى الدخول فى مجالات أخرى، مثل طباعة الكروت، والطباعة بالليزر، وتغليف المنتجات، وتطوير الطباعة الرقمية، فالطباعة قد تقل فى الكم لكنها ستزيد فى التنوع، والطباعة عمرها ما هتنتهى، فالإنسان بدايته ونهايته ورقة، فبدايته شهادة ميلاد، ونهايته شهادة وفاة، وهذه ورقة مطبوعة وتلك ورقة مطبوعة، وبالتالى لن نستطيع الاستغناء عن الورق.