المعرفة هى الثروة، تلك هى الحقيقة التى آمنت بها الدول الكبرى، وكانت سبباً فى تقدمها ونهضتها، فالشعوب المثقفة لا خوف عليها، فحينما تعلم أن متوسط قراءة المواطن اليابانى 80 كتاباً فى العام، والمواطن العربى أقل من نصف كتاب، فسوف تكتشف لماذا هم تقدموا ولماذا انحدرنا.. فالفارق فى الثقافة والمعرفة بين الغرب والعرب هو الفارق نفسه فى التقدم العلمى والصناعى والتكنولوجى والاقتصادى، فالثقافة لديهم كالتعليم تسهم فى بناء الإنسان الذى يبنى الحضارة وليست مجرد وظيفة أو حشو معلومات للحصول على شهادة كما نفعل نحن فى مجتمعاتنا العربية.
ويجب الاعتراف بأن الثقافة عندنا تأثرت كثيراً بالأحداث السياسية التى شهدتها مصر منذ يناير 2011، وأصابها التدهور الذى طال المجالات كافة، فتراجعت إلى أدنى مستوياتها على المستويين الرسمى والشعبى، وهذا طبيعى لأن الأولويات تتغير فى المراحل الانتقالية،
رغم أهميتها لدولة تحارب الإرهاب والأفكار المتطرفة، فالثقافة من أهم الأسلحة فى هذه المعركة الشرسة، كما أن المواطن أو المسئول القارئ المثقف يكون أكثر إدراكاً للأمور وإبداعاً وتجويداً فى عمله ويجنّبنا مشاكل كثيرة.
إلى وقت قريب كانت لدينا صالونات ثقافية دورية شعبية مهمة جداً ينظمها أفراد، أذكر منها صالون د. وسيم السيسى، عالم المصريات الشهير، وكذلك صالون «العزبى» الذى كان يعد واحداً من أهم الفعاليات الثقافية التى تضم كافة أطياف المجتمع ومنصة مهمة للحوار والخلاف والاختلاف أيضاً صالون الأوبرا الثقافى الذى كان يستضيف الرموز المصرية والعربية والدولية.
وفى الوقت الذى تتراجع فيه الحركة الثقافية والأدبية، يأتينا د. أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم والتعليم العالى الأسبق، بأحدث رواياته الأدبية «ملك التنشين» وهى صادرة عن هيئة الكتاب، وتتناول رحلة «غريب»، شاب مصرى متفوق وطموح، لكنه أراد تجاوز واقعه، مستغلاً المناطق الرمادية التى تغلف حياتنا الاجتماعية، ليختصر الطريق نحو الثروة والمجد، لكنه يسقط وينتهى نهاية مأساوية.
الوزير الأديب «أحمد جمال» قبل أن يكون أستاذاً جامعياً، وتدرج فى السلم الأكاديمى حتى أصبح رئيساً لجامعة المنصورة، هو أيضاً كاتب وروائى له العديد من المؤلفات، وبالإضافة إلى رواية «ملك التنشين»، هناك أيضاً رواية «لقاء فى واحة الحنين» ورواية «فتاة هايدلبرج الأمريكية»، وكتاب حول «كيفية إصلاح مؤسسات الدولة»، حيث يرى أن أزمة مصر الحقيقية تتمثل فى ضعف مؤسساتها، وهذا موضوع مهم يحتاج تفاصيل أكثر فى مقال آخر.
إبداعات جمال الدين تتميز بروح المغامرة والتسامح، وهو ينطلق فى التعبير عن عاطفة الحب بيسر وبساطة وأسلوب رشيق جميل.. المناصب الإدارية والوزارية أوقفت إبداعاته لمدة 30 عاماً، ولكنه عاد إلى عمل ما يحب، وهو كتابة الرواية.
ولا تتوقف إبداعاته عند ذلك، ولكنه مؤسس لصالون ثقافى يحمل اسمه اكتمل عامه الرابع ويعقد بصفة دورية شهرية وأصبح يحتل مكانة متميزة فى الحركة الأدبية والثقافية المصرية، ويضم نخبة من المفكرين والمسئولين السابقين والحاليين، ويناقش هموم المجتمع وأحلامه.
كل الشكر والاحترام للوزير الأديب أحمد جمال لانتظام صالونه المتميز وأعماله الأدبية، وأتمنى عودة مصر لدورها الثقافى والتنويرى فى المنطقة، فالثقافة ليست فقط قوتنا الناعمة بل تسهم فى مكافحة الإرهاب والفقر والجهل والمرض.. واللهم احفظ مصر.