فى الجزء الأخير من التقرير الخاص بالجيش المصرى الذى أعده الإسرائيلى «جاك نيرياه»، محلل شئون الشرق الأوسط فى مركز القدس للشئون العامة، الذى شغل من قبل منصب مستشار السياسة الخارجية لرئيس الوزراء الأسبق، إسحاق رابين، ونائب رئيس قسم التقييم فى المخابرات الحربية الإسرائيلية.
يستكمل «نيرياه» استعراض ما قام به الجيش المصرى فى التصدى للإرهاب (المدعوم دولياً)، عقب ثورة المصريين فى 30 يونيو على حكم «الإخوان»، ويشير إلى نجاحه فى عمليات قطع الإمدادات عن التنظيمات الإرهابية، سواء فى مصر أو ليبيا، ولأول مرة تحركت البحرية المصرية لمراقبة السفن فى البحر الأحمر والبحر المتوسط، إضافة إلى اتخاذ إجراءات لمنع تدفق الأسلحة إلى مصر، سواء من السودان أو من ليبيا أو عبر البحر المتوسط وسيناء، كما شن حرباً شعواء على الأنفاق السرية، التى أنشأتها حركة حماس لتهريب البضائع والأسلحة والمقاتلين، بين القطاع وسيناء، وحتى الآن أغلقت مصر أكثر من ٢٠٠٠ نفق، فى المسافة التى تبلغ ١١ كيلومتراً، بطول الحدود بين غزة وسيناء، وبالتوازى مع هذه الإجراءات، وإنشاء قيادة عسكرية موحدة فى سيناء، لسد الفجوة بين الجيشين الثانى والثالث وإنهاء عمل كل منهما بشكل منفصل، إلى توحيد القيادة وتنسيق العمل الميدانى بشكل إيجابى، وهى الاستراتيجية التى حققت نجاحاً ملحوظاً.
وفى نهاية التقرير عن الوضع العسكرى فى الشرق الأوسط وبروز مصر كقوة عسكرية إقليمية قادرة على مواجهة التحديات وحماية الأمن القومى المصرى والعربى، يرى الخبير الإسرائيلى أن الرئيس السيسى منذ الأيام الأولى لتوليه الحكم فى مصر بنى وأسس جيشاً قوياً مرناً يتمتع بقدرات عملياتية كبيرة، وأعد قوات تدخل سريع هى الأحدث فى جيوش العالم قادرة على تنفيذ أى مهام معقدة داخل أو خارج الحدود.
وجاءت استراتيجية «السيسى» الجديدة لتعتمد على القوة كعامل مهم وفعال فى تأمين المصالح الوطنية المصرية الحيوية، وعلى عكس سابقيه، يرى «السيسى» أن القوة العسكرية يجب أن تظل دائماً خياراً مطروحاً على الطاولة، خاصة بعد التغيرات الأخيرة التى شهدتها المنطقة وأصبحت الكلمة العليا فيها للسلاح والمتفجرات والتنظيمات المتطرفة، وأصبحت جميع الدول مهددة بلا استثناء.
ويرى «السيسى» أيضاً أن استخدام القوة له ما يبرره، طالما أنها تعمل على محاربة أعداء البلاد كما فى الحالة الليبية، فضلاً عن أن مصر كانت من أوائل الدول التى حذرت من خطر التنظيمات الإرهابية، وأنها تستهدف الجميع بلا استثناء، لهذا كان يدعو إلى جهد عربى موحد لمواجهة هذا الخطر، وبذل جهد كبير جنباً إلى جنب مع الجيوش العربية الأخرى يوفر الشرعية اللازمة لمثل هذه الإجراءات ضد دولة أو منظمة عربية.
وكل هذا ليس سوى تعبير عن التغيير العميق الذى حدث فى تصور القيادة المصرية، وتقديرها للموقع الاستراتيجى لمصر فى محيطها المباشر والإقليمى وجهاً لوجه مع القوى الغربية، وقدرتها على القيام بدور مهم وحاسم فى حراسة المنطقة.
انتهى التقرير الإسرائيلى عن الجيش المصرى، ولكن لم ينتهِ الانطباع الإيجابى عن قواتنا المسلحة، وأختتم برواية ذات دلالة مهمة على لسان سفير إحدى دول أمريكا الجنوبية، كشف خلالها سر التغيير المفاجئ لكثير من الدول تجاه ثورة 30 يونيو، وانتقاله من خانة الشك فى كونها انقلاباً عسكرياً إلى الاقتناع التام بأنها ثورة شعبية عظيمة.
صورة فوتوغرافية لمواطن مصرى بسيط يحمل طفلته التى تقدم زهرة لضابط الجيش فوق دبابته فى أحد الميادين، يقول السفير جميعنا أرسلنا هذه الصورة لحكوماتنا، وأكدنا لهم أنها واقعية، وليست مصطنعة «مفبركة»، وأهمية تلك الصورة -يقول السفير- أنها لا يمكن أن تحدث فى كثير من دول أمريكا الجنوبية، فهناك حاجز نفسى بين المواطنين هناك وقواتهم المسلحة المخضبة أياديها بدماء شعوبها، فى بعض المواجهات أثناء الاضطرابات الداخلية.
يقول السفير تأكدنا وأكدنا لحكوماتنا بتلك الصورة أن المصريين وجيشهم وقائده (السيسى) إيد واحدة فعلاً، وليس مجرد شعار، وبعدها توالت اعترافات الدول بنظام الحكم الجديد فى مصر.