فى المسلسل التليفزيونى «ظرف أسود»، يلعب الفنان صلاح عبدالله دور أستاذ للقانون الجنائى بإحدى كليات الحقوق. وفى إحدى محاضراته، يتحدث الأستاذ الجامعى إلى طلابه، مستخدماً اللهجة العامية، قائلاً: «القانون حمار للى يعرف يركبه. الجملة دى مش أنا اللى قولتها، ده اللى قالها تشارلز ديكينز وقبله قالها شكسبير. القانون اللى بيدين شخص هو نفسه اللى ممكن يبرئ شخص ثانى اقترف الفعل نفسه».
إن مقولة «القانون حمار» هى الترجمة العربية للعبارة الإنجليزية (The Law is an ass)، وتنسب إلى «وليام شكسبير»، ولكن البعض ينسبها إلى الكاتب «جورج تشابمان»، فى روايته «انتقام من أجل الشرف». وأياً كان شخص قائلها، فإن شيوع هذه العبارة يرجع إلى الروائى «تشارلز ديكينز»، فى رواية «أوليفر تويست»، المنشورة سنة 1838م. والسبب وراء تلك المقولة هم رجال القانون الذين خلقوا منه حماراً، وتترجم مشاعر الكثيرين فى مختلف أنحاء العالم ممن تتعرض مصالحهم لأحكام قوانين بالية لا تتلاءم مع ما يشهده المجتمع من تطور أو تخضع لتفسيرات وتطبيقات متعسفة لهذه القوانين.
والواقع أن القوانين تحتاج فى تطبيقها إلى حكمة من القائمين على تنفيذها، سواء كانوا من رجال الإدارة أو من رجال القضاء. ولذلك، يقول الإنجليز إن «قانوناً سيئاً وقاضياً كفئاً خير من قانون جيد وقاضٍ غير كفء». وفى هذا الإطار، أود الإشارة إلى واقعة رواها لى معالى المستشار الدكتور عبدالمجيد محمود، النائب العام الأسبق، والذى كان آنذاك فى بداية مسيرته القضائية الزاخرة. وتتعلق هذه الواقعة بحدوث عجز زهيد القيمة فى عهدة أحد المشروعات التى نفذتها شركة المقاولون العرب، حيث أصر عضو النيابة العامة على سؤال رئيس مجلس إدارة الشركة، باعتباره الرئيس الأعلى للجهة صاحبة المال التى ثبت فيها العجز، وذلك للتحقق من التكييف القانونى لهذا العجز، وما إذا كان يشكل جريمة من جرائم المال العام، مثل الاختلاس، أو كان نتيجة إهمال فحسب. وتم تأجيل التحقيق أكثر من مرة، حتى حضور رئيس مجلس إدارة الشركة، والذى كان حينها المهندس عثمان أحمد عثمان. ورغم مشاغله وأعباء عمله، حضر رئيس مجلس إدارة الشركة إلى النيابة، احتراماً لقرارها وأدلى بأقواله. وقبل انصرافه من سراى نيابة الأموال العامة، ذهب عثمان أحمد عثمان إلى مكتب المستشار عبدالمجيد محمود، والذى كان يعمل فى نيابة أخرى مجاورة لنيابة الأموال العامة. وتعليقاً على واقعة التحقيق، وسؤاله من قبل النيابة العامة، قال المهندس عثمان أحمد عثمان: إن التعامل مع مثل هذه القضايا التافهة بهذا المنطق يؤدى إلى تعطيل النيابة العامة وإشغالها بقضايا زهيدة الأهمية، وإهدار وقت المسئولين، وأنه كان من الأجدر والأفضل بالنسبة له كرئيس لمجلس إدارة الشركة المجنى عليها حفظ التحقيق فى هذه الواقعة بدلاً من إهدار وقت أطرافها.
وتعليقاً على مقال الأسبوع الماضى، روى الأستاذ رمزى حبيب النجار واقعة حدثت معه شخصياً، قائلاً: «منذ عدة سنوات، اشتريت سيارة من صديق، وكانت تابعة لإحدى وحدات المرور بمحافظة سوهاج، وكنت وقتها ضيفاً عليه، وسجلنا عقد بيع السيارة فى مصلحة الشهر العقارى، وعدت بها إلى القاهرة. وفى خلال أيام، وصلنى مكتوب من الشهر العقارى بأن المبلغ المدفوع ينقصه 35 مليماً، فكلمت صديقى بأن يدفع الثلاثة قروش ونصف، فلما ذهب رفضوا تسلم المبلغ بحجة أنه ليس ذا صفة، ولا يجوز التوكيل، ولا بد من وجود صاحب السيارة. وتركت الموضوع على أن السيارة ملكى ومعى تصريح بالسير لمدة ثلاثة أشهر، لحين ورود الملف من مرور سوهاج. وانتهت مدة التصريح، وعندما ذهبت لترخيص السيارة، أخبرونى بأن الملف لم يصل لأن الشهر العقارى خاطب مرور سوهاج، وخاطبنا بعدم الترخيص والرجوع للشهر العقارى بسوهاج. وبهذا، كان لا بد لى أن أذهب للشهر العقارى بسوهاج لتوريد الثلاثة قروش ونصف، وأخذت الإيصال بعد عناء، ولم ألحق المرور لانتهاء مواعيد العمل، وذهبت فى اليوم التالى وسلمت إيصال الدفع لمرور سوهاج، والذى منحنى خطاباً موجهاً لمرور القاهرة لتجديد رخصة السيارة. السفر إلى سوهاج وقضاء يومين والعودة للقاهرة والمكاتبات، كم تكلف ذلك، وذلك تكرار لعمليات كثيرة تتم باسم القانون وتنفذ من موظفين بيروقراطيين».
إن النيابة العامة والنيابة الإدارية والجهاز الحكومى بوجه عام أمناء على مصالح المجتمع، كل المجتمع، وكل المصالح. وكما قال الأستاذ أحمد جلال عبدالوهاب فى معرض تعليقه على مقال الأسبوع الماضى: «الضرر لا يزال بمثله، فكيف يزال بما هو أكثر منه». والله من وراء القصد.