من أجمل أوقات الانتظار تلك التى نعيشها بطريقة دورية منذ بداية وعينا للأحداث والطقوس الخاصة والعامة والمشاهد والروايات والفرحة الكبيرة الشاملة المحتوية الجامعة الحاضنة المدللة لكل القلوب والبشر من حولنا والأماكن والمنازل والشوارع وأركان الترفيه والمأدبة الكبيرة التى تجمع الأحباب، ويأتون إليها كل عام كتقليد من بين الطقوس الخاصة والأطعمة الفاخرة التى تتفنّن الأمهات والجدات فى إعدادها والثياب الجديدة والهدايا، انتظارنا للعيد والعيدية.
ولأننا نحتفظ بأجزاء دقيقة نادرة من مشاعر الطفولة مهما بلغ بِنَا العمر، فلهذه الكلمات سحرها الذى لا يتغيّر، ووقعها فى القلوب، ومعناها ومغزاها ودقات حروفها المميز، الذى يشبه تلك الدقات التى يعلن بها فتح الستار على خشبة المسرح ورائحتها التى تملأ الهواء من حولنا وتخترق أنفاسنا وتعشش داخلها. وعندما نشبه شخصاً ما بأنه «العيد والعيدية»، فإن لذلك معانى كثيرة وعميقة وساحرة وأخاذة وملهمة لأى مبدع على وجه الأرض فى أى زمان ومكان.
فهو المنتظر مهما طال الانتظار والحلم حتى لو لم نره، والوحى والإلهام ولحظة الميلاد ودقة القلب والمشبع والمغنى والصديق والحبيب والشريك. وعندما تقسو علينا الأيام وتحرمنا من صاحب هذه الأوصاف يقوم بعضنا بأداء تمثيلى، كما لو أن الأمر لا يعنيه وينفى عن نفسه المعاناة ويدفن مشاعره واحتياجاته الطبيعية للصمود ولإثبات قوته الوهمية.
وتبدأ قصة البطولة فى رواية الانتظار، ولا أنسى، مهما مر من سنوات، ما قالته لى تلك السيدة التى عاشت لأطفالها بعد زواج لم يكتب له الاستمرار عندما أفضت لى بسر نسائى بأن لديها عدداً لا يُحصى من أثواب جديدة تحتفظ به بعيداً عن العيون، وعن يديها، حتى لا تمتد لها وتختار أى ثوب منها يظهر جمالها ومفاتنها، فقد أصبحت تملك كنزاً من تلك الملابس فى انتظار «العيد والعيدية»، إن كان هناك أمل أن تجده يوماً ما وأن تستمتع معه بالكنز الذى تخفيه، خوفاً من عيون تخترق الأجساد والمشاعر، وتحاول أن تلعب دور الصياد، بحثاً عن فريسة تلتهمها دون رحمة. ولأن الصغار يقومون بالعد التنازلى لقدوم العيد، وارتداء ملابسه، فقد اعتادوا على احتضانها وإبقائها فى متناول أيديهم تلك الليلة، لتكون هى أول شىء تراه عيونهم عندما تعلن الشمس ميلاد العيد.
وكطفل صغير يملأه الخوف والفرحة واللهفة والسعادة والزهو والامتنان والتفاخر فى مزيج مدهش أشرفت على إعداده بدقة وحرفية أمنيات اللقاء نظل نعيش حياتنا جميعاً على اختلاف أعمارنا وحالتنا الاجتماعية المسجّلة فى بطاقات الهوية، التى تعلن من منا ما زال فى انتظار اللقاء، ومن غادره الحبيب بلا عودة، ومن لديه الحق فى البحث، والآخر الذى فقده، ولا يمكن استعادته مرة أخرى، طبقاً لقوانين المجتمع، الذى يسقط البعض من حساباته عامداً متعمّداً، وعليه أن ينسى.
نظل نبحث عن الحضن الذى يجمع داخله جميع المشاعر لنلوذ به، وعن اليد التى تقدم الوردة الحمراء لتهمس بكلمات الحب والياسمين الأبيض، ليعطر الأيام، وزهرة البنفسج الناعسة لتطبع قبلة ناعمة على الجبين وعن السند، لنختبئ خلفه من قسوة القدر والأيام وعن الشاعر الذى ينظم الكلمات ويصفها فى حديث عن الجمال المختفى خلف الخزانة المملوءة بالثياب الناعمة، وحقيقة الأمر أن من نبحث عنه يستحق الكثير فهو «العيد والعيدية».