فى واحدة من خلوات «السادات» قفزت فكرة خطيرة فى ذهنه تتمثل فى الاستعانة بالإخوان وغيرهم من الإسلاميين كظهير شعبى، رأى أن بمقدوره سحب البساط من تحت أقدام اليساريين والناصريين الذين يعكرون مزاج الشارع الأدهمى ويسممون تفكير العوام بشعارات مناوئة للرئيس وتوجهاته. راجع «السادات» الفكرة مع الدكتور محمود جامع والمهندس عثمان أحمد عثمان فأيداه وامتدحا حكمته الفريدة وآراءه السديدة وأخذا يعملان بجد لتقريب وجهات النظر بين الرئاسة والإخوان. ويبدو أن «السادات» تذكر علاقته القديمة بحسن البنا، حيث أورد فى أكثر من مناسبة أنه التقاه وتحدث إليه للتنسيق بين تنظيم الضباط الأحرار والإخوان قبل ثورة 1952، وكيف أن ما حدث يوم 23 يوليو نتج عن تحالف ما بين الطرفين، وأن هذا التحالف استمر حتى عام 1954، ثم انقلب إلى عداء سافر بينهما. فعل السادات مثلما يفعل كل الأداهم عندما يفتشون فى دفاترهم القديمة بحثاً عن حلول لمشكلات معاصرة، ومثل هذه الحلول لا تأتى فى الأغلب بخير.
التفكير فى الإخوان لم يكن بعيداً عن عقل السادات منذ أن تولى الحكم، وكانت هناك سعايات للتقريب بين الطرفين بدءاً من عام 1971، ومع توليه الحكم بادر السادات إلى الإفراج عن الكثير منهم، وأفسح لهم المجال للعمل، خصوصاً بعد أحداث يناير 1977، وبدأت الجماعة الإسلامية تسيطر على الأنشطة الطلابية بالجامعات. ورغم أن «السادات» عامل الإخوان بصورة مختلفة تماماً عن أسلوب تعامل عبدالناصر معهم، فإنه لم يسلم من ألسنتهم، ولعلك شاهدت الحوار الذى وقع بين «السادات» وعبدالمنعم أبوالفتوح والحوار الآخر للرئيس مع المرحوم عمر التلمسانى. وهى حوارات أبهرت الأداهم، ليس من زاوية السادات بل من زاوية الإخوان!. فقد ظلوا يتحدثون طويلاً عن جرأة «أبوالفتوح» وأشيع فى الأدهمية أنه قد تم القبض عليه، وسرت إشاعة أخرى بأن الشاب -حينذاك- قد لقى حتفه فى حادثة، كلام كثير رددته الألسنة لم يكن له أى أساس فى الواقع. توقف بسطاء الأداهم أيضاً أمام رد «التلمسانى» على «السادات» حين ذكر الأخير أن الإخوان تريد تصفية حساباتها مع الثورة، فقال له الأول: «لو كان الاتهام جاء من غيرك لشكوته إليك.. أما وأنه جاء منك فإنى أشكوك إلى الله». ترديد الأداهم لعبارات قفزت فى هذه الحوارات لم يكن يعبر عن إعجاب بالإخوان قدر ما عكس حالة دهشة انتابت الجميع من أن يتجرأ أحد على مخاطبة الحاكم فى مصر ما بعد الثورة بهذه الصورة، ولم يلتفت الأداهم إلى الإيجابية المدهشة أيضاً فى شخصية «السادات» الذى سمح للإخوان بذلك بعد أن نكل بهم عبدالناصر كل التنكيل.
نشطت الآلة الإعلامية للإخوان فى الهجوم على السادات بعد توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل، كما أغضبهم حديثه المتكرر عن أنه لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة. وهى عبارة كان يكررها السادات درءاً للفتن الطائفية وخوفاً من توظيف الدين فى تحقيق أهداف دنيوية، وقد كانت الإخوان تفعل كل ذلك. أغريت الجماعة أيضاً بنجاح الثورة الإسلامية فى إيران «الشيعية» عام 1979، فشاركوا غيرهم من الإسلاميين الظن الآثم بإمكانية تكرار ذلك فى مصر «السنية الجمهورية»!. كل هذه العوامل ساهمت فى توتر العلاقة بين السادات والإخوان فعادت إلى حيث بدأت، بل أسوأ.