قضايا النفقة فى مصر من أكثر القضايا بؤساً لما لها من علاقة بحياة أطفال يتعرضون يومياً للخطر فى ردهات محكمة الأسرة وغياهب الإجراءات الطويلة والسيئة، هى ساحة لكافة أشكال التلاعب والتزوير بلا رقيب أو حسيب، فما إن تطلب الأم النفقة من المحكمة حتى يبدع الآباء فى إثبات الفقر والعوز، والتلاعب بكل الحيل لإضاعة حق طالب النفقة وتجويع الأطفال.
والأمر المدهش هو كم الادعاء بالفقر الذى يدعيه المطالب بالنفقة، حيث نجد شخصاً ميسور الحال، حياته جيدة، أطفاله فى مدارس ممتازة، وما إن يحدث الانفصال مع الأم حتى يبدأ الحصار الاقتصادى والتجويع، وإن حاولت اللجوء للمحكمة فعليها الانتظار لما لا يقل عن سنة بلا طعام أو مصاريف لها وللأطفال حتى يصدر حكم بالنفقة وعليها الانتظار أكثر للتنفيذ.
لذا وافق البرلمان على تعديل قانون العقوبات، وزيادة الغرامة الموقعة على الأزواج المتهربين من دفع النفقة إلى خمسة آلاف جنيه بدلاً من 500 جنيه، حيث أصبحت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين لكل من صدر عليه حكم قضائى واجب النفاذ بدفع نفقة لزوجه أو أقاربه أو أصهاره أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وامتنع عن الدفع مدة ثلاثة شهور، بعد التنبيه عليه بالدفع. ويعد هذا التعديل خطوة جيدة لأنه يحد من تجويع الأطفال انتقاماً من أمهاتهم، حيث غالباً ما يتم الامتناع عن النفقة كنوع من العقاب للأم، ما يؤدى إلى تجويع الأطفال، وهذا التعديل خطوة أولى ولكنه غير كاف، حيث لا بد من التصدى للتلاعب والتزوير فى إثبات الدخل، حيث يتم التزوير فى تقديم ما يفيد الدخل، وخاصة ذوى الأعمال الحرة.
فهناك كثيرون يتلاعبون بالتزوير فى إثبات الدخل سواء من قبل الأفراد أو جهات العمل لخفض دخلهم وحرمان أطفالهم من النفقة المستحقة، لذا من المهم تمكين قاضى الأسرة من التواصل مع البنك المركزى للتأكد من حقيقة الذمة المالية للشخص وهذا التزوير، فمن المعاملات المالية للشخص يمكن معرفة إمكانياته المالية، فليس منطقياً أن هناك شخصاً يحمل فيزا كارت بمبالغ معينة ويكون مفلساً، أو عليه قرض سيارة أو شقة، ناهيك عن المعاملات بين الصرف والإيداع.
أيضاً كشف قدرات الشخص المالية من واقع فواتير الغاز والكهرباء وحصر الممتلكات، ربما كان هذا أمراً صعباً فى السابق لكن مع الربط الإلكترونى لكثير من المصالح لم يعد صعباً، فهل يُعقل فى يومنا هذا أن نطلب من المرأة أن تتحرى عن الدخل ويتم التلاعب والتزوير بهذه السهولة دون أى عقاب، لجريمة تعد ليست فقط تزويراً وإنما هى تلاعب بالعدالة وتعريض الأطفال للتجويع والخطر.
أيضاً لا بد من وضع مدى زمنى لإنهاء دعوى النفقة فى غضون شهر للحد من التلاعب بإطالة أمد النزاع ولإنقاذ الأطفال من التجويع عن عمد.
فإن كانت العقوبات على عدم السداد للحكم بالنفقة أمراً مهماً، فإن الوصول للحكم فى حد ذاته هو أشبه بالمستحيلات السبعة فى الروايات الأسطورية، وعلى الأطفال البقاء بلا طعام أو شراب لمجرد أن الأب قرر أن ينتقم من أمهم.