أخصائيو تخاطب وصحة نفسية: التوقف عن التعامل مع المصابين على أنهم "بركة" جزء من العلاج
سلمي الحفناوي
أجمع عدد من أخصائي التخاطب والصحة النفسية على ضرورة الاهتمام بحالات الإصابة بـ«متلازمة داون» وعدم تهميشهم فى المجتمع مثلما يحدث حالياً، واتفق الأخصائيون على أنه لا بد من توافر كافة السبل التى تضمن للطفل الاستقرار النفسى حتى يستطيع تطوير مهارات التعلم، وأن تتجاوز جميع الأسر الأزمة النفسية التى يتعرضون لها حال ولادة طفل «داون» لديهم، حيث تتعامل تلك الأسر مع أطفال المتلازمة على أنهم مجرد «بركة»، ما يدفعهم إلى عزل الطفل عن المجتمع، خشية تعرضه إلى نظرة أو معاملة سلبية.
"سلمى": "نحتاج حملات توعية بخطورة المرض للحد من ظهور إصابات جديدة"
ومنذ أكثر من ٦ سنوات، قررت إيمان خليفة من محافظة كفرالشيخ، التخصص فى مجال التربية الخاصة، بدافع غريزى بداخلها جعلها تتمنى أن تصبح ذات يوم مشرفة على أطفال «داون»: «بحب الأطفال دى جداً، وكان نفسى أقدم لهم أى حاجة تفيدهم، ومن هنا قررت أدرس تخاطب»، وكانت أولى الخطوات التى اتخذتها «إيمان» هى الالتحاق بكلية التربية حتى كان لها ما تمنت والتحقت بقسم التربية الخاصة: «مكتفتش بالكلية وبس، وقررت أنمى مهاراتى أكتر خصوصاً إنى عارفة مدى صعوبة التعامل مع المتلازمة، فأخذت دبلومة تخاطب من جامعة عين شمس، ودى ساعدتنى كتير وعرفت من خلالها إزاى أستغل مهارات التخاطب فى تنمية قدرات الأطفال».
وتؤكد أخصائية التخاطب أن أحد أهم العوامل التى تساهم فى تنمية مهارات طفل «داون» أن يكون لدى الطفل دوافع قوية تتولد لديه من علاقاته بالمجتمع: «علشان يكون فيه استجابة لازم يكون الطفل نفسه عنده قابلية للتعلم يعنى مزاجه رايق، وده مش هيحصل إلا من خلال الاختلاط بالعالم الخارجى بدون مضايقات من المجتمع أو حتى نظرات شفقة»، وتشير «خليفة» إلى أن حالات المتلازمة يعتمدون بشكل كبير على الإشارة، فإذا أُتيحت لهم إشارات ذات دلالات مفهومة لديهم فهذا سيساعد كثيراً على تحقيق الهدف من تلك الإشارة: «عايزين مسايسة فى الأول لأن العند سمة واضحة عندهم، علشان كده لازم الشخص اللى بيتعامل معاهم يكون عنده صبر وقدرة على التصرف بشكل مناسب فى حالة عناد الطفل».
"إيمان": "الطفل المصاب له نمط تفكير مختلف ويحتاج معاملة خاصة للتغلب على عناده"
ترتب إيمان خليفة، أخصائية التخاطب، خطوات ومراحل البرنامج الذى يتبعه الطفل منذ بداية محاولات تأهيله حتى اكتمال مراحل التعلم، وتقول: «التقليد هو أول مرحلة من مراحل التعليم، ودى غالباً بتبدأ من ٤ سنين حتى لو كان الطفل مبيتكلمش، هنا الاعتماد بيكون على الاستجابة السريعة، وعلشان «داون» بينسوا سريعاً فلازم كل 4 جلسات يتعمل مراجعة تانى وإعادة ما سبق شرحه»، وتتابع: «تدريبات الفم والشفاه صامت بدون نطق، ودى تانى مرحلة فى برنامج التأهيل، وفيها بنحاول نخلى الطفل يحس بالحواس بتاعته، وبعدها بتكون التدريبات دى صوتية، ومن هنا بيبان إذا كان الطفل عنده ميول لحاجات معينة ولا بيسمع الأصوات ومش فارق معاه أثرها»، وتشير أخصائية التخاطب إلى أن غالبية حالات المتلازمة يمتلكون قدرات فائقة فى بعض الأنشطة، فالكثير منهم لديه ميول موسيقية، وهذا الأمر يظهر عند ملاحظة إغلاق الطفل على بعض الكلمات ذات النغمات».
وتذكر مى وحيد، أخصائية تخاطب، من محافظة المنوفية نوعين من «المتلازمة»، الكلاسيكى ويكون لديه قابلية كبيرة على التعلم، ولا يحتاج إلى جهد كبير فى تنمية مهاراته، والنوع الثانى هو حالة داون من الدرجة الأولى ويحتاج إلى جهد كبير فى التعلم، وتؤكد «مى» أن طفل الداون يستحق اهتماماً أكثر من ذلك بكثير، حيث إنه إن كان يعانى من تأخر فى عمليات الإدراك والتحدث ولكنه يمتلك طاقة كبيرة لا بد من استغلالها، حيث إنه يعانى من صعوبة التعلم، نظراً للنسيان الذى يعانى منه، ولكنه يمتلك مهارات كبيرة فى السباحة يمكن تطويرها بشكل كبير.
وتقول سلمى الحفناوى، أخصائية تربية وتعديل سلوك بمحافظة كفرالشيخ، إن «متلازمة داون» عبارة عن مجموعة صفات جسدية ونفسية ناتجة عن مشكلة فى الجينات تحدث فى مرحلة مبكرة قبل الولادة، وغالباً ما تعانى حالات «داون» من تأخر عقلى بدرجة معينة تتفاوت من حالة لأخرى، وتشير «الحفناوى» إلى أن هناك عدة عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بمتلازمة داون، تأتى فى مقدمتها، الحمل الذى يحدث عند تجاوز الأم ٤٠ سنة والأب أكثر من ٥٠ سنة: «ثقافة المجتمع هى السبب الأساسى فى ظهور أطفال المتلازمة، ولازم يكون فيه حملات توعية بخطورة المرض وضرورة تكاتف الأيدى حتى يتم القضاء تماماً على ظهور حالات داون جديدة، مع الأخذ فى الاعتبار العوامل الوراثية التى لا يمكن التحكم بها».
وعن طرق العلاج، تشير أخصائية الصحة النفسية أنه لا بد من إجراء فحوصات طبية بعد الولادة مباشرة: «لازم يكون فيه فريق عمل مكون من طبيب أعصاب يشرف على معالجة الطفل، ولازم الأهل يتبنوا برنامج ملائم لطفلهم، وده من خلال أخصائى معالجة نطق ولغة، وده بيكون دوره كبير فى مساعدة الطفل فى تطوير مهارات الطفل الحركية وتقوية عضلاته».
وتؤكد «سلمى» ضرورة وجود أخصائى معالجة مهنية يساعد تلك الحالات على القيام بالمهام اليومية والاعتماد على النفس فى تناول الطعام والشراب، إلى جانب ضرورة وجود أخصائى علاج سلوكى وعاطفى للمساعدة فى التحكم بمشاعره وتطوير مهاراته التى تؤهله للتأقلم والتحكم بالظروف والصعوبات التى تواجهه فى حياته اليومية: «لازم يتم عرض الحالة فور الولادة على أطباء علاج قلب وعيون وأنف وأذن وحنجرة وغدد صماء وجهاز هضمى»، وتوضح الأخصائية النفسية أن: «النمو العقلى مثل تطور اللغة سواء لفظية، كالتحدث أو إشارات جسدية للتواصل أو الإدراك والتفاعل الاجتماعى، فلديهم قصور شائع فى الإدراك ومشاكل فى التعلم والتفكير، ولكن تتراوح بين البسيط والمعتدل وليس جميعهم بنفس الدرجة، ولكن معظمهم لديهم صفة مشتركة وهى ضعف الإدراك الحاد».
وترى أخصائية الصحة النفسية أنه لا بد من توفير مناخ مناسب لهم داخل المدارس الخاصة والحكومية على حد سواء، حيث إن العديد من المدارس ترفض التعامل مع حالات المتلازمة، باعتبار أنهم يحتاجون إلى رعاية من نوع خاص: «من أهم العوامل اللى هتساعد طفل داون هى دخول المدرسة، وأن يتم دمجه على أساس عمره العقلى وليس عمره الزمنى، وألا يكون هو الحالة الوحيدة فى الفصل بين الأصحاء حتى لا يكون بمعزل عن أقرانه».
إيمان خليفة
سلمى الحفناوى