يقولون إن «الجواب يبان من عنوانه»، والمطارات عناوين المدن وانطباعاتها الأولى وربما الأخيرة، وإذا كانت لدينا مشكلات تنظيمية وسلوكية كبرى فى مدننا، فلنحسن أداءنا فى المطار ونحكم رقابتنا على العاملين والعاملات فيه، ونمعن بل نفرط فى تجميله وتزيينه طبقاً لأحدث وأجمل معايير التجميل والتزيين العالمية، لعله يشفع لما سيضطر القادم إلى التعامل والتعايش معه فى المدينة، وذلك لحين معالجة مشكلاتنا وتقويم سلوكنا فى داخل المدينة.
وبين المطارات صديقة المسافرين وعدوتهم اللدودة شعرة اسمها العنصر أو العامل البشرى، فكم من مطار قديم أو صغير أو قابع فى دولة نامية أو تكاد تكون خارج خارطة العالم، لكن العاملين فيه قادرون على تحويل الفسيخ إلى شربات عبر ابتسامة من القلب، أو تعامل إنسانى ودود مهذب مع الخلق، أو نظافة تعكس ثقافة شعب، وبين الجهود العاتية التى تبذلها الحكومة فى مصر لبناء المزيد من المطارات والتوسع فى الموجود من جهة وتحقيق المراد من تحسين الصورة وتأهيل مصر لاستقبال المزيد من السياح وترك صورة ذهنية جيدة عنا، شعرة اسمها العنصر البشرى.
وبعيداً عن أوركسترا ضيق ذات اليد الفيلهارمونى الذى يعزف بكامل طاقته كلما تفوه أحد بشكوى من انعدام أبجديات العمل فى قطاع الخدمات، أو مطالبة بتدريب مكثف ورقابة صارمة على كل من يعمل فى قطاعات تتعلق بالسياحة، حفاظاً على صورتنا السلوكية التى باتت تعانى الكثير على مدار العقد الماضى، نقول إن العناصر البشرية العاملة فى المطارات المصرية هى الأولى بالرعاية التدريبية والرقابة الصارمة.
هل يعقل أن يكون الصراخ والزعيق بين أفراد الأمن على بوابات الدخول وتفتيش الحقائب هما الطريقة المعتمدة للتواصل بينهم، صحيح أن الجانب الأكبر من الصراخ قوامه تبادل أحاديث ودية بينهم، إلا أن المحصلة النهائية هى صراخ يتردد فى جنبات المكان. يعانى المكان كذلك من تجهم وعبوس لا يليقان بمن يعمل فى «واجهة مصر».
ومرة أخرى، كلما تطرق الحديث إلى عبوس العاملين يأتيك الرد سابق التعليب «أصل المرتبات قليلة والمشاكل كثيرة والهم كبير» إلى آخر منظومة عذر الغُلب القاتل.
الغلب القاتل يتصاعد أثره وتتفاقم وطأته حين تهم بدخول الحمام فيباغتك العامل أو العاملة بتوجيه أرق التهانى وأجمل الأمانى وأحلى المباركات من خلال العبارة الخالدة «كل سنة وأنت طيبة وحمداً لله على السلامة» (أو مع السلامة حسب موقع الحمام فى المطار).
فى عدد كبير من مطارات العالم تجد صناديق شفافة لتبرعات المسافرين للأعمال الخيرية، وهى إحدى طرق التخلص من العملات الصغيرة التى لا يحتاجها البعض.
ربما يجدر التفكير فى هذه الصناديق على أن يخصص محتواها لفئة عمال وعاملات النظافة فى المطار بالحق والمستحق، أو رفع رواتبهم بدرجة معقولة ثم وضع لافتات تمنع «البقشيش» تماماً ومعاقبة من يمد يده للحصول عليه ومنع عبارة «كل سنة وأنت طيب» منعاً بائناً لا رجعة فيه.
الرجوع إلى مصر فى لحظاته الأولى ليس مجرد مشاعر فرحة وترقب، لكنه أيضاً مناداة بعلو الصوت «أستاذ محمد الحلوانى أستاذ محمد الحلوانى» أو «دكتور فتحى حسين دكتور فتحى حسين» وربما «مدام ماتيلدا مدام ماتيلدا» وذلك لحظة خروج من ظلمة الطائرة إلى نور السنتيمترات الأولى فى قاعة الوصول، هؤلاء هم المحظوظون والمحظوظات من الموصى عليهم وعليهن، حيث يتم اصطحابهم لإنهاء إجراءات الوصول بعيداً عن سخافة الطوابير ولزوجة الازدحام، لكن هذا المشهد يولد غضباً لدى بقية المصريين من غير الموصى عليهم، ويفجر أسئلة لدى غير المصريين لا إجابة منطقية عنها.
المنطق المنتقص أيضاً يلوح فى الأفق فى مرحلة ما قبل الخروج من صالة الوصول، أكل العيش بالطبع يحب الخفية، والمجد كل المجد للباحثين عن الرزق، لكن المجد الأكبر للباحثين عن الرزق دون فوضى وغوغائية، شركات وأفراد الليموزين والتاكسى الذين ينادون بعلو الصوت فى داخل المطار «الأستاذ اللى ورا تاكسى بأسعار كويسة؟» «كابتن كابتن ليموزين؟» «مدام مدام تاكسى؟» منظر ومسمع يخلوان من التحضر، وأن تقبع فى مكتبك المخصص لتأجير السيارات أو حجز سيارات الأجرة أفضل وأرقى مليون مرة من أن تقف تنادى على الزبائن وكأنك فى سوق الجمعة.
أما ركاب الترانزيت فيستحقون شيئاً أفضل من الموجود، بضعة مقاعد «ركيلاينر» كتلك الموجودة فى مطارات العالم، التى تتيح لمن تضطرهم ظروف السفر لقضاء ساعات فى المطار، بالإضافة لأماكن صغيرة متفرقة للعب الأطفال وشاشات تفاعلية وغيرها يمكنها أن تجعل المطار صديقاً لركاب الترانزيت وليس قوة طاردة لهم.
ملحوظة أخيرة: فى الإمكان تزيين المطار وإضفاء بعض الروح عليه، لكن رجاء الاستعانة ببيوت خبرة راقية، قد تروق الأشجار البلاستيكية والتماثيل الفرعونية الأسمنتية وزينة عيد الميلاد الورقية للبعض فى بيته، لكنها حتماً لا تليق بمطارات مصر ومكانة مصر المستحقة.