"المدمن والتاجر" فى السينما.. بين الصورة "النمطية" والغوص فى الأبعاد السياسية
مشهد من فيلم «النمر والأنثى»
هالات سوداء تبتلع العينين بنظراتها الفارغة من الحياة، خريطة زرقاء مليئة بالندوب التى حفرها المرض على ذراعى صاحبها، فبدا كشبح فى بنية جسدية ضعيفة، مجرد ذكرى باهتة لما كان عليه سابقاً، بعد أن غاب العقل والإحساس والعاطفة، وحل مكانهما الخواء، لا يشعر صاحبها بالحياة سوى لدقائق معدودة لحظة سريان السم فى عروقه المنهكة، يمده بها قابض أرواح يقتات على الدماء، يتخفى فى هيئات عدة بحثاً عن ستار مقنع، فهو رجل الأعمال النزيه، التاجر المتدين، أو الموظف الحكومى المطحون.
على مدار سنوات طويلة، نجحت السينما المصرية فى إلقاء الضوء على ظاهرة المخدرات، سواء عالم التجارة أو أزمة الإدمان، وبدأت السينما فى تناولها بشكل مكثف، تحديداً منذ الثمانينات، فى مجموعة كبيرة من الأفلام، فكان هناك حرص على تقديم صورة سلبية للمدمنين فى محاولة لمواجهة هذه الأزمة المجتمعية، وبدت أدوار المدمنين أقرب إلى الكلاشيهات، وبين من قدموا دور المدمن الراحل أحمد زكى فى عدد من الأفلام، أبرزها فيلم «المدمن» للمخرج يوسف فرنسيس، الذى أجاد التعبير عن الدوامة النفسية التى يسقط فيها المدمن، كما قدم عادل إمام دور ضابط الشرطة الذى أصبح مدمناً فى فيلم «النمر والأنثى»، واستمرت المعالجات فى السينما الشبابية، فقدم أحمد عز دور المدمن فى «بدل فاقد»، وآسر ياسين وأحمد الفيشاوى فى فيلمى «زى النهارده» و«خارج الخدمة».
كان للممثلات نصيب فى أداء الشخصية نفسها، فقدمتها نادية الجندى فى فيلم «الضائعة»، ونبيلة عبيد فى «الوحل» للمخرج على عبدالخالق، وتتسع القائمة لتشمل معالى زايد فى «السكاكينى»، ورغدة فى «الإمبراطور»، إضافة إلى مديحة كامل فى «المزاج».
«ربنا خلقنا تجار عشان نبسط الناس، وجعلنا أغنياء، بس المال ده كله مال ربنا مش مالنا».. من أكثر شخصيات تجار المخدرات تميزاً وعمقاً تلك التى قدمها المخرج داود عبدالسيد فى فيلم «أرض الخوف»، حول شخصية المعلم «هدهد» التى أداها الفنان الراحل حمدى غيث، وهو تاجر الحشيش الأول فى الباطنية، صاحب الفلسفة الإيمانية الممزوجة بالخير والشر، يعلم خطيئته وأنه سيلقى جزاءه، بل يرفض تجارة الهيروين لأنها «سم»، على حد تعبيره، ويرد على من يقترح عليه ذلك، قائلاً: «انت تقدر تسمم الناس، لكن أنا ماقدرش».
وبعيداً عن النمطية، تميز عدد كبير من الفنانين فى تأدية دور تاجر المخدرات، منهم «البهظ» الذى أداه الفنان الراحل جميل راتب فى فيلم «الكيف»، بشكل يناسب شخصية الرأسمالى التى تميزت بها تلك الفترة، فهو نموذج متطور من تاجر المخدرات التقليدى، يمتلك فلسفته الخاصة فى تجارة السموم، فيقول: «اﻟﻜﻴﻒ ﺷﻬﻮة، واﻟﺸﻬﻮة هى اللى ﺑﺘﺸﺪ اﻟﻘﺮش ﻣﻦ ﺟﻴﻮب اﻟﻨﺎس، اللى يقف على البر ميغرقش، احنا مضربناش حد على إيده، اللى بيحبنا هو اللى بيرمى روحه فى حضننا».