على مدى سنوات طويلة مضت كان المعارض -مستقلاً أو حزبياً- للنظام الحاكم يدفع ثمناً باهظاً لقاء مواقفه السياسية، بين الاعتقال والاضطهاد الوظيفى بل وملاحقة ذويه أيضاً، فيما كان المؤيدون يلقون كل الرعاية، فمن كان منهم من رجال الأعمال.. تربح من حيث لا يدرى، ومن كان ذا طموح سياسى.. حصل على عضوية البرلمان عبر انتخابات شكلية أقرب إلى التعيين، ومن كان موظفاً.. ترقى إلى أعلى الدرجات مهما تدنت كفاءته.
الصورة الآن انقلبت تماماً، خاصة بعد 25 يناير 2011، وصارت المعارضة هى الأوفر حظاً فى الحصول على المكاسب المعنوية والمادية بسهولة بالغة، ولم يعد المعارض مطالباً بتوضيح وجهة نظره -إن كانت موجودة أصلاً- يكفيه إحساسه الزائف بالشجاعة أمام المحيطين به، ويكفى بعضهم أيضاً ما يحققونه من دخل مادى بالدولار أو باليورو نظير استضافتهم فى الفضائيات المعادية للدولة.
كل ما على المعارض الآن هو، أولاً رفض أى إنجازات يحققها النظام سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، من زاوية أنها ليست من الأولويات، أو التشكيك فى جدواها أو إنكارها حتى وإن رآها بعينيه، وثانياً ترديد مفردات من يستهدفون هدم الدولة مثل الاختفاء القسرى، أو القتل الفورى للمستهدفين فى سيناء -لا يسمونهم إرهابيين- وكأنهم أبرياء لا يحملون السلاح، ولا يستهدفون رجال الشرطة والجيش والمدنيين هناك.
هو بس يمشى على الكتالوج، وعينه ما تشوف إلا الفلوس، «الجزيرة» تستضيفه فى قطر ويقعد على حس الاستضافة كام يوم أكل وشرب وسياحة، ويملأ جيوبه بكام دولار، «مكملين» تطلبه على التليفون، وحوّل الثمن على رقم الحساب.
أحد هؤلاء كتب على حسابه على «فيس بوك» ذات يوم «إلى قناة الشرق، وقناة مكملين أنا تحت أمركم رغم كل شىء»، وآخر قالها صراحة «أنا عايز أجوز بناتى»، وفى محاولة يائسة للتطهر أضاف: «أنا أطرح فى الجزيرة وجهة نظرى من باب الرأى والرأى اآخر».
وخد عندك.. ندوة هنا ومؤتمر هناك، ويمكن يفوز بجائزة بمبلغ وقدره من مركز أو منظمة دولية، وكله علشان جواز البنات، ومش مهم البلد تروح فى داهية.
تأييد النظام والدولة الوطنية الآن لم يعد ضمانة للتربح أو الترقى كما كان فى السابق، وعلى المؤيد أن يواجه المزايدين، ومطالب دائماً بشرح أسبابه للتأييد، والإجابة عن السؤال «الأهبل»: انت مستفيد إيه؟.
المؤيد الواعى الآن محمّل بعبء توضيح الحقائق للمواطن البسيط ومن بينهم أولاده وأقرباؤه وأصدقاؤه، على المقهى وفى المواصلات العامة وغيرها من التجمعات، يتصدى لمحاولات تزييف الوعى، ويفنّد أكاذيب تنظيم الإخوان الإرهابى، وادعاءات الدول والمنظمات المعادية، المؤيِّد مهموم ببث روح الأمل والتفاؤل بمستقبل أفضل لكل من يعانى ظروف المعيشة.
المؤيِّد ملتزم دائماً بتوضيح أن المرحلة الانتقالية مستمرة حتى الآن ولم تنته بعد، وهى محمّلة بالعديد من التناقضات والمخاطر والتحديات الداخلية والإقليمية والدولية، فخطر الإرهاب ما زال قائماً، ومخططات هدم الدولة وتمزيق المجتمع من الداخل تنتهز أشباه الفرص، على أمل التحقق، وخرائط تقسيم المنطقة معلّقة على الحوائط فى مراكز صنع القرار فى دول معروفة نواياها السيئة تجاهنا.
الصورة تكشف وبوضوح تام أن التأييد لم يعد سهلاً كما كان، والمعارضة لم تعد مكلفة، ومفهوم النضال السياسى يحتاج الآن لإعادة النظر.