فى أربعينات القرن الماضى كتب الدكتور «زكى نجيب محمود» مقالاً بعنوان «بيضة الفيل»، طرح فيه فرضية ماذا لو أن الفيل، وهو من الثدييات، بدل من أن يلد - يبيض، ماذا سيكون موقف العلماء، واستطرد قائلاً إن موقفهم سيدور حتماً حول لون البيضة وحجمها وقوة الوليد الخارج من البيضة، وإن العلماء انقسموا إلى فريقين لمناقشة الأمر، استناداً إلى مناهج علمية درسوها ويدرسونها، مثل القياس والاستنباط، وبينما النقاش محتدم سمعوا دوياً هائلاً فى المدينة، فسأل عنه الشيخ الأكبر فقيل له إنه دوى قنبلة نووية صغيرة للغاية استطاعت تدمير مدن بأكملها، هذا المقال كُتب منذ ما يقرب من ثمانين عاماً، لكنه مناسب جداً لإعادة النشر والقراءة مرة أخرى، لأن الحقيقة.. النقاش فى العديد من القضايا لم يتزحزح خطوة واحدة للأمام ليس منذ ثمانين عاماً فقط وإنما منذ ثمانمائة عام ويزيد، فأمام كل قضية تطرح لا نملك إلا مناهج البحث التى تركها لنا الأولون، وعلينا أن نعبدها ونجترها أمام كل سؤال متعلق بحياتنا المعاصرة، لنصبح معلقين فى زمن الأولين، غير قادرين على الخروج من زمنهم، أو حتى نتعلم منهم كيف كانوا مبدعين فى فقه وقضايا عصرهم، لم يجرؤ من يقال عنهم علماء الأمة أن يستلهموا من العلماء الأولين جرأتهم فى تناول القضايا المعاصرة فى عصرهم وزمنهم، بل يقيسون قضايا عصرنا وزماننا على عصور الأئمة الأوائل، وكأننا مسجونون فى هذه الأزمنة، بل وصل الأمر إلى تحويل آراء علماء مختلف عليها إلى دين جديد فى حد ذاته، وتحويل أشخاص يصيبون ويخطئون إلى آلهة مقدسة لا يجرؤ أحد على نقدها، هذا التعليق فى الزمن أدى لارتباك عظيم فى الشخصية لدى الكثيرين، ما يشبه الانفصام العقلى المرضى، خاصة فى قضايا المرأة، فلا يعلم الكثير موقفه من المرأة عموماً، بدءاً من أمه، هل الجنة تحت أقدامها، أم أغلب النساء فى النار ومنهم أمه، هل يحترم عقلها الجبار، ولولا هذا العقل لكان هو نفسه فى ضياع، هل يتعامل مع أخته الأكبر والأذكى والأنشط والأجرأ والأكثر حزماً على قدم المساواة، أم يعاملها باعتبارها نصف إنسان، فاقدة الأهلية بحاجة إلى ولى يحدد حركتها ويقيم تصرفاتها؟ وفى الحياة العامة هل يتعامل مع رئيسته فى العمل، وهى مثله الأعلى فى الجد والاجتهاد والانضباط والذكاء؟ كيف يتعامل مع قاضية على منصة القضاء، أم وزيرة تخطط للدولة أو مستشارة للأمن القومى؟ كيف يرى كل هؤلاء النسوة، يراهن بعين الأئمة والعلماء الأولين الذين يرون عدم السماح لهن بالسفر إلا بمحرم أم يراهن بالتطور الحديث الذى وصل الدول العربية والإسلامية ولحق بالركب السعودية نفسها، أزمة التعليق فى الزمن أزمة حقيقية لم يعد من الممكن تجاهلها، خاصة فى عصر أصبح تداول المعلومات سريعاً وكاشفاً أننا نتخلف ونخرج من دائرة العقل، وهذا الجيل لن يقبل الإرهاب باسم المقدس، لا فكراً ولا شخصاً، فإما أن نحترم الأولين ونقدم لهم الشكر على اجتهاداتهم ولكن نتحرر منهم لنجتهد لزماننا بعقلنا أو ستتسع الفجوة بين ما يعتقده البعض ديناً وبين حياة ومصالح الناس، ولن يفلح الإرهاب والتهديد بمخالفة الدين، فالأئمة فى مصر ليسوا الوكلاء الوحيدين باسم الدين، وعليهم أن يروا ما يفعل المجتهدون فى الدول الإسلامية الأخرى، ليعرفوا أن الكثيرين هنا للأسف ما زالوا يناقشون هل الفيل يلد أم يبيض؟