زراعة "السيسبان المصري" بمياه الصرف.. الأمل في إنقاذ صناعة الـ"إم دي إف"
حوض ترسيب لمياه الصرف قبل ضخها لرى السيسبان
بين حلول ومقترحات كثيرة بحثتها شركة نجع حمادى لأخشاب «إم دى إف» لمواجهة ارتفاع تكلفة الإنتاج المحلى مقابل إغراق الأسواق بأخشاب مستوردة أقل سعراً، كان الحل الأفضل هو التوسع فى زراعة أشجار السيسبان على مياه الصرف الصحى فى الصحراء، وسط تأكيدات من قيادات المصنع بأن التوسع فى زراعته كفيل بإقالة هذه الصناعة من عثرتها وإعطائها دفعة للمزيد من التوسع.
فى الطريق من المصنع حتى الغابة الشجرية التابعة له والملحقة بمحطة صرف قوص، على بُعد نحو 70 كيلومتراً من المصنع، تحدّث المختصون بالشركة عن هذه الشجرة مصرية الأصل التى كانت ولا تزال تنمو بشكل طبيعى على ضفاف الترع المصرية، باعتبارها إحدى أهم الأشجار التى تعتمد عليها صناعة أخشاب الـ«إم دى إف» فى العالم. وأشاروا إلى أنها من أفضل الأشجار لاستخدامها فى هذه الصناعة، أخشاب «إم دى إف»، من حيث سرعتها فى النمو، واستخدام المواد الليفية أو السليوليزية الموجودة بها لتصنيع أخشاب «إم دى إف»، فضلاً عن استخدام المواد المتخلفة منها فى عمل «كومبوست» لتسميد نفس الأرض الصحراوية المزروعة فيها، كما أن تكلفة الزراعة ليست مرتفعة.
المشرف على المزرعة: "نعمّر الصحرا ونوفر فرص عمل"
ورغم ذلك واجهت تجربة المصنع فى زراعتها على مياه الصرف بعض المشكلات، على مدار الفترة الماضية، منها عدم كفاية مياه الصرف التى تصل للأرض، وهى المشكلات التى حاولت الشركة القابضة لمياه الشرب والصرف تداركها وحلها مؤخراً، وأرسلت قبل نحو شهر لجنة ضمت خبراء من تخصصات مختلفة لبحث هذه المشاكل وحلها.
مدير المراجعة: التوسع فى زراعتها مشروع قومى يحد من الاستيراد ويخفض الأسعار
يقول أحمد عبدالمعطى، مدير المراجعة بالمصنع وأحد المسئولين عن متابعة «مزرعة السيسبان»، إن مشاكل المياه كانت فى التشغيل وليس التوافر، وهى فى طريقها للحل الآن، لافتاً إلى أن اللجنة التى أرسلتها الشركة القابضة من القاهرة مؤخراً، وضمت تخصصات مختلفة، اقترحت بعض الحلول لها، ومنها عمل خزانات للمياه للمساعدة فى الحصول على حصة المصنع من المياه كاملة، فضلاً عن زيادة الطلمبات، ومن بينها حلول لا تزال تدرسها الشركة وأخرى بدأت فى الأخذ بها بالفعل.
وعندما اقتربت سيارة الشركة من موقع مزرعة السيسبان، لاحت فى الأفق بحيرة صناعية ضخمة بالفعل من مياه الصرف المعالجة، بدت كما لو كانت بانتظار استغلالها لرىّ مزيد من الغابات الشجرية، فيما كان العمل جارياً فى توسعات لبناء أحواض أخرى لاستقبال مزيد من مياه الصرف بها.
فى موقع المزرعة كان عمر محمد عمر، المشرف على الزراعة بها وأحد أهالى دشنا، يقف بجلبابه الصعيدى، يتابع العمل، ويشرح مراحل زراعة السيسبان وكيفية العناية به، قائلاً: «الزراعة هنا على خطوط، الجورة بتشيل أكتر من نبات أو بذرة، والنبات بياخد معانا فترة من 3 لـ5 شهور، وبعد كده نخفه، فى البداية بنخف من الأرض نفسها، وبعد كده بنخفه من فوق عشان العود يشتد، ويوصل لسُمك وقطر معين».
ويشير «عمر» إلى أنه من بين 300 فدان تابعة للمصنع فى هذه المنطقة، تمت زراعة نحو 200 فدان، وجارى العمل تدريجياً للتوسع فى المساحة الباقية، مشيراً إلى خطوط جديدة فى الأرض تمت زراعتها منذ نحو 3 شهور، وأخرى تمت زراعتها قبل 15 يوماً فقط وبدأت تُنبت بالفعل، لافتاً إلى أن عمليات الزراعة تتم تحت إشراف متخصصين من مركز البحوث الزراعية، حيث تحتاج زراعته، كأى نبات آخر، إلى تسميد ومكافحة للآفات، فضلاً عن كميات كبيرة من المياه، بينما يمكن زراعته فى فترتين خلال العام، إحداهما فى الصيف والأخرى فى الربيع.
يشعر «عمر» بالفخر وهو يتحدث عن العمل بالمزرعة، ويدرك قيمته، قائلاً: «إحنا بشغلنا هنا بنفتح باب لعمالة مباشرة وغير مباشرة، وكمان بنعمّر الصحراء وبنخضّرها، بدل ما انت شايفها صحرا وجبل».
هنا يتدخل أحمد عبدالمعطى، مدير المراجعة، مشيراً إلى أن عمليات الزراعة تتم من خلال مناقصة يشارك فيها مقاولون متخصصون، وتكلفة زراعة الفدان لا تتجاوز 2000 جنيه خلال 15 شهراً، وتشمل تكاليف الغرس والخف والتقليم والتسميد ومكافحة الآفات، وحرث الأرض، فيما ينتج الفدان ما يتراوح بين 25 و30 طن مادة خام، هذا بالإضافة إلى 2000 جنيه أخرى قيمة حق انتفاع عن الفدان سنوياً.
ويستطرد قائلاً: «المصنع يحتاج لما يتراوح بين 70 و80 ألف طن من المادة الخام سنوياً، ليصل لطاقته الإنتاجية القصوى، لذلك فإن المصنع يسعى للحصول على مساحات أكبر من ذلك لزراعتها، وهو الأمر الذى لو حدث لساعد فى تقليل تكلفة الإنتاج والوصول لأسعار تنافسية مع المستورد، حيث يقل سعر طن المادة الخام من السيسبان نحو 700 جنيه عن نظيره من (مصاص القصب) المستخدم الآن، هذا فضلاً عن زيادة الإنتاجية».
ويتدخل حسين منصور، المدير المالى للمصنع، قائلاً: «لكى نصل لمساحات تكفى لتشغيل المصنع نحتاج لحوالى 5 آلاف فدان، حيث يكفى إنتاج المساحة الحالية لتشغيل المصنع حوالى شهر ونصف فقط»، لافتاً إلى أن تكلفة الخامة من مزرعة السيسبان تقل نحو 700 جنيه فى الطن، وهو ما سيخفض من التكلفة النهائية للمتر المكعب من خشب الإم دى إف نحو 20%، ما سيمكّن الشركة من المنافسة فى سوق الخشب، وتحديداً منافسة المستورد، فى ظل عدم القدرة على تخفيض ما يصفه بـ«التكاليف السيادية» المتمثلة فى أسعار الكهرباء والغاز. ويلفت «منصور» النظر إلى أن «من بين مزايا السيسبان الاقتصادية أنه كله خشب تقريباً، ونسبة النخاع الذى لا يصلح فى الصناعة به لا تتجاوز 2 أو 3%، ولو كان وزن عود السيسبان كيلو مثلاً فيمكن أن يخرج منه خشب بوزن كيلو إلا 20 أو 30 جرام، هذا فضلاً عن أن نسبة استهلاك الخامات المكملة له فى الصناعة مثل اليوريا مرتفعة الثمن أقل من استهلاك المصاص».
وانطلاقاً مما سبق، يعود أحمد عبدالمعطى، مدير المراجعة، ليتحدث عن التوسع فى زراعة أشجار السيسبان على مياه الصرف لإنتاج أخشاب «إم دى إف» باعتبارها مشروعاً قومياً يمكن أن أن يدعم صناعة جانب كبير من أخشابنا محلياً، بدلاً من استيراد معظمها من الخارج، مع ما يرتبط بذلك من تخفيض أسعار الأخشاب، فضلاً عن تشغيل عمالة.
ويضيف: «لو دعمتنا الدولة بشكل كافٍ، وأعطتنا المساعدات الفنية والتراخيص اللازمة، سنقوم بعمل ضبط للسوق وأسعاره، فنحن لدينا نظام تسعير ونضع أسعارنا بناء على التكاليف الفعلية، ولسنا كالتجار أو المستوردين الذين يضعون أسعارهم بناء على رؤيتهم لمدى احتياج السوق ويلاقوا السوق شادد يزودوا مكسب 100 جنيه، وإذا لاقاه شادد أكتر يروح حاطط 200 جنيه، كما أننا لن نسمح لأحد بأن يجعل متر الخشب بـ10 آلاف جنيه».
"القابضة للمياه": "الإسكان" تراجع بروتوكولاً سيجعل القيمة الإيجارية لزراعة فدان الغابات 800 جنيه سنوياً
ويتدخل حسين منصور، المدير المالى للشركة، مشيراً إلى أن أكبر جانب يمكن أن تدعمهم فيه الدولة هو مساعدتهم على التوسع فى زراعة السيسبان على مياه الصرف، بإعطائهم أراضى بحق الانتفاع بأسعار مخفضة، وهو الأمر الذى ستستفيد منه الدولة أيضاً من حيث زيادة الرقعة الخضراء ونسبة الأكسجين وتقليل التلوث والتخلص من مياه الصرف بطريقة آمنة. وتشير الدكتورة مها فاروق، أستاذ ورئيس قسم الغابات الشجرية بمعهد بحوث البساتين، إلى أن أشجار السيسبان متميزة بالفعل، من حيث معدل نموها السريع، وعدم الحاجة لتجديد زراعتها، حيث يمكن حشها لتنمو بعد ذلك مرة أخرى، هذا فضلاً عن أنها بالفعل من أفضل أنواع الأشجار التى يمكن إقامة صناعة أخشاب «إم دى إف» عليها، ويمكن زراعتها على مياه الصرف، حيث يمكن أن تساهم بالفعل فى التخلص منها.
ويؤكد المهندس ناصر طه، رئيس قطاع الدعم الفنى والتشغيل والصيانة بالشركة القابضة لمياه الشرب والصرف، أن معظم المساحات المتاحة لزراعة الغابات الشجرية لإعادة استخدام مياه الصرف الصحى المعالجة، خصوصاً بمحافظات الصعيد، غير كافية للتصرفات الناتجة من محطات المعالجة، وتحتاج لتوسعات للغابات الشجرية، وأن الأراضى يتم تخصيصها من جانب المحافظات ووزارة التنمية المحلية.
وأشار «طه» إلى أن هناك ما يقرب من مليون متر مكعب يومياً من الصرف الصحى المعالج تتم إعادة استخدامه فى رى الغابات الشجرية من إجمالى 13 مليون متر مكعب يومياً مياه صرف معالجة على مستوى الجمهورية، لافتاً إلى أن بعض الأراضى المخصصة للغابات الشجرية غير تابعة للشركات التابعة للشركة القابضة.
وكشف أن هناك بروتوكول عقد حق انتفاع لإعادة استخدام مياه الصرف الحصى لرى الغابات الشجرية طبقاً لكود إعادة الاستخدام، تتم مراجعته حالياً من خلال وزارة الإسكان والشركة القابضة، ويضع قيمة إيجارية لكل فدان حق انتفاع لمدة معينة لا تقل عن عشرين عاماً، بشروط خاصة، على أن تكون القيمة الإيجارية للفدان الواحد حوالى 800 جنيه فى السنة، وهى قيمة مشجعة للمستثمرين لزراعة الغابات الشجرية التى تعتمد عليها صناعات أخرى، وإعادة استخدام المياه المعالجة، بما يسهل على المستثمرين الدخول فى هذا المجال.