تعليقاً على المقال المنشور بجريدة «الوطن» يوم الثلاثاء الموافق 5 نوفمبر 2019م، عن «الدور التربوى للدراسات القانونية»، وردت لى رسالة عبر الفيس بوك من القارئ العزيز الأستاذ حكيم رحيم، تجرى عباراتها على النحو التالى: «ما لا شك أن الدراسات القانونية بما تحويه من تنوع للعلوم ما بين تاريخ القانون وعلم الاجتماع وعلم النفس وعلم الجريمة، خاصة فيما يتعلق بدراسة الشخصية وتركيباتها المعقدة ودراسة الشخصية وفقاً لما استقرت عليه نظريات لعلماء النفس الاجتماعى، أمثال ألفريد أدلر وويليام جيمس وديكارت وفرويد، وكل الذين شرحوا النفس البشرية التى تؤثر فى المجتمع أو يتأثر بها المجتمع، والبحث فى مدى تأثير تلك الشخصيات على المجتمع وفق سماتها الشخصية، سواء منها الشخصية السوية أو المعقدة السيكوباتية التى تميل إلى العدوانية وحب السيطرة، وبين الشخصيات المترددة التى تميل إلى الانطواء وعدم المواجهة، إلى آخر النظريات التى تساعد متخذى القرار فى فرز العناصر القادرة على الإنجاز أو التى يتعين على القائد فى أى مؤسسة الإعراض عنها، لأنها لن تجدى نفعاً بل تكون أحد العناصر المعوقة.. ومع ذلك لا بد علينا ألا نغفل أن هناك ملكات وفروقاً فردية بين الناس جميعاً ومنهم القانونيون، وأن هناك سمات شخصية تميز دارساً عن دارس، فليس كل دارس للقانون بالتبعية قادراً على الإدارة.. فمنهم من يتميز بالقدرة على التحليل والتشريح، ومنهم من لديه القدرة على الفرز، ولكن ليس بالضرورة أن يكون لهما القدرة على إدارة مجموعات عمل أو المواجهة أو التواصل مع الناس.. وأحياناً كما تفضلت أن طبيعة المهنة التى يمتهنها القانونى بعد التخرج تنعكس على طبيعة الشخصية وتكسبه مقومات جديدة قد تفرض عليه قدراً كبيراً من الانعزالية، مما لا يصلح معه لتولى بعض المناصب فى العمل العام، فإن كنت وتفضلت وأشرت إلى التاريخ وما حوته هذه الحقبة التاريخية فى خريطة مصر السياسية أن خريجى الحقوق توصلوا فى عديد من تلك الحقب التاريخية لمنصب الوزير، إلا أن القياس هنا، واسمح لى، غير منطقى، لأن منصب الوزير منصب سياسى فى المقام الأول، كما أن هناك نماذج من القانونيين نجحت ونماذج كثيرة لم يحالفها النجاح، مما يؤكد على تلك الملكات الخاصة التى تصقلها الدراسة وتدعمها، هذا ما أحببت أن أشير إليه وأن أشاركك مقالك القيم».
ورداً على ما ورد فى هذا التعليق، أود القول إن النفس الإنسانية معقدة ولا يصلح عامل واحد لتفسير أفعالها وسلوكياتها، ولذلك اتجهت «نظرية العوامل المتعددة فى علم الإجرام» إلى ضرورة تفسير السلوك الإنسانى فى ضوء مجموعة من العوامل، منكرة فكرة السبب كعامل وحيد مفسر للظاهرة الإجرامية، وبالمثل، وفيما يتعلق بنجاح بعض القانونيين فى العمل السياسى وفشل بعضهم الآخر، نود التأكيد على أن الدراسة القانونية وحدها ليست سبباً للنجاح فى مجال السياسة، بحيث يكون كل قانونى قادراً على ممارسة العمل السياسى، وإنما ينبغى أن يتضافر ذلك مع بعض العوامل الأخرى ومنها الملكات الذاتية الشخصية، إن فكرة السببية المطلقة غير مطروحة فى مجال العلوم الاجتماعية، ومن ثم لا يتصور أن يقول عاقل إن كل دارس للقانون قادر على الإدارة، فالمطروح إذن على بساط البحث هو ما إذا كانت الدراسات القانونية تشكل فحسب عاملاً مساعداً على النجاح فى العمل السياسى.
ومنظوراً للأمور على هذا النحو، لا نغالى إذا قلنا إن الدراسة القانونية تمثل أحد العوامل المساعدة على النجاح فى الممارسة السياسية، ويمكن إرجاع ذلك جزئياً إلى مناهج الدراسة فى كليات الحقوق، التى تميل إلى التنوع وعدم الاقتصار على دراسة القانون فقط، لقد أحسن رواد التعليم القانونى فى اتباع هذا النهج المتكامل، الذى يقوم على إدراك العلاقة الوثيقة بين علم القانون وبين غيره من العلوم الاجتماعية، وبحيث لا يستقيم إدراك القواعد القانونية والوقوف على الفلسفة الحاكمة لها بدون الإلمام بالنظريات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الأساسية. وصدق من قال: «القانون مرآة الواقع»، «القانون مرآة المجتمع» و«القانون مرآة الشعوب». وبالإضافة إلى ما سبق، فإن ثمة علاقة وثيقة بين القانون والسياسة، الأمر الذى نتناوله فى المقال القادم إن شاء الله.