لا أعتقد أن هناك على أرض هذا الوطن من لا يذكر ذلك المسلسل الرمضانى الشهير «سنبل بعد المليون».. والذى قدمه الفنان محمد صبحى فى ثمانينات القرن الماضى.. لم أكن قد تجاوزت العاشرة من عمرى وقتها.. ولكننى ما زلت أذكر تعلقى بذلك العمل الجميل وتفاعلى بطفولية مع كل ما عانى منه ذلك الطموح العنيد الذى يجسده «صبحى» باقتدار وخفة ظل..!
إنه الوقت الذى كانت الدراما تعبر فيه عن مشاكل حقيقية وتطرح حلولاً للبعض منها كما كان يحاول ذلك العمل الفنى أن يفعل..!
المسلسل عُرض لأول مرة فى رمضان 1987، وبمعزل عن مستوى ذلك العمل الدرامى الخالد من وجهة نظرى والذى قد يجعلك تتحسر على حال الدراما الحالية البعيدة عن حياة الناس الطبيعية.. فالمسلسل قد تصدى بواقعية لمشاكل الاستثمار وتعمير الصحراء، حيث كشف المسلسل الذى تم تصويره على أرض سيناء الغالية أن من يريد شراء أراضٍ صحراوية لاستصلاحها عليه الحصول على موافقة 17 جهة حكومية، وهو أمر بالغ التعقيد ويجعل الجميع يفر هارباً لأن موافقة كل تلك الجهات هى أمر شبه مستحيل.
لقد انتبهت الحكومة برئاسة الدكتور عاطف صدقى وقتها لهذه المشكلة.. فتم تعديل قوانين تمليك الأراضى الصحراوية بعده وبسببه..
وعلى الرغم من أن الأمر قد ظل على الورق فقط دون تنفيذ.. ربما لغياب الإرادة السياسية وقتها لتعمير سيناء تحديداً.. إلا أن المسلسل قد نجح فى لفت الأنظار لواقع أليم كان يعانى منه ملايين المصريين.. كما كان الشرارة التى نبهت الدولة المصرية لأهمية الظهير الصحراوى للمدن.. فكان بعده التوجيه بالتخطيط لإنشاء المدن الجديدة التى انتشرت فى ربوع الوطن..!
تذكرت ذلك المسلسل حين شاهدت ذلك الإعلان الذى أطلقته الدولة عن فرص تملك قطع أراضٍ فى سيناء بغرض الزراعة.. وتلك التسهيلات التى تقدمها الدولة فى هذا الشأن..
لقد قررت الدولة أخيراً أن تستكمل مشروع التنمية الشاملة لأرض سيناء الغالية بسواعد أبنائها.. ووجدت الإرادة السياسية الغائبة عن هذا المشروع لعقود طويلة.. فشروط التملك بسيطة.. والأرض المطروحة تكفى لأكثر من ألف أسرة.. يتملك كل منها منزلاً وعشرة أفدنة كاملة فى أكثر من خمسة عشر تجمعاً سكنياً موزعة على شمال وجنوب سيناء..!
لقد كانت الاستجابة أكثر من رائعة من شباب محافظات القنال والدلتا.. بل من شباب سيناء أنفسهم الذين ساهموا دون شك فى تحرير تلك الأرض من الإرهاب.. ليتم تنميتها بمشاريع حقيقية وإرادة قوية..!
لا أعتقد أن أحداً من هؤلاء الشباب سيعانى كما عانى «سنبل» فى المسلسل القديم.. ولا أتصور أنهم سيجدون صعوبات فى تحلية المياه أو صراعات مع الأهالى.. فقد طرحت الدولة هذا المشروع بعد أن وفرت بنية تحتية جيدة.. وحولت سيناء إلى مكان واعد للاستثمار والتنمية..
المشروع وإن أضيف إلى إنجازات الرئيس والحكومة فى ملف تنمية سيناء.. إلا أنه يعد أهمها على الإطلاق فى رأيى.. فسيناء الخضراء هو حلم لم يجد من يسعى إليه قبل هذا العصر.. وتنفيذه يؤرخ لعهد جديد على أرض الرسالات.. عهد لم تشهده فى تاريخها من قبل..!
فليفرح كل من تفاعل مع «سنبل» لأن مشروعه قد صار حقيقة.. بل وليفرح «سنبل» نفسه بتحقيق حلمه الذى تنبأ به منذ أكثر من عشرين عاماً.. ولننتظر لنشاهد على أرض الواقع ما سيفعله شباب مصر الواعد على أرض الفيروز.. والذى أثق أنه سيفوق حلم «سنبل» بكثير.. أو هكذا أعتقد!!