كان أسبوعاً ثقيلاً وبطيئاً.. فمنذ الأربعاء الماضى وأنا أتعرض لكثير من اللوم من بعض الأصدقاء بعد قراءتهم مقالى «عندما يتربح المعارض»، وقد استخلص منه البعض أننى ضد فكرة وجود المعارضة من أساسها، وبفارغ الصبر انتظرت موعد مقالى اليوم لأوضح ما التبس فهمه لدى البعض، أو لأوضح ما قصرت فى إيضاحه.
ولأننى نشأت سياسياً فى خندق المعارضة، أجدنى متفقاً مع ما قاله لى كاتب معتبر ومهم أحرص على متابعة كتاباته، هو الأستاذ عادل نعمان، زميلى على صفحات «الوطن»: لو لم تكن المعارضة موجودة لصنعناها.
أشرت فى مقالى السابق إلى نماذج محددة للمعارضين الذين يتربحون من معارضتهم، ولو كان ذلك على حساب الوطن نفسه، وعلى حساب أمنه القومى، وليس فقط فى مواجهة النظام الحاكم.
ولتوضيح الفارق بين هؤلاء ممن يصل بعضهم فى سبيل إتقان دوره إلى حد الخيانة، والمعارضة الوطنية الموضوعية الرصينة، أتذكر ما فعله معى الراحل العظيم خالد محيى الدين قبل ما يقرب من 20 عاماً.
فى ذلك الوقت أسفرت انتخابات برلمان عام 2000 عن فوز كل من حزبى الوفد والتجمع بعدد متساوٍ من النواب لكل منهما، وكان يكفى أحدهما انضمام أحد النواب المستقلين له، ليمنح له زعامة المعارضة رسمياً تحت قبة البرلمان، ولأننى بجانب عملى كمحرر برلمانى لجريدة «الأهالى» كنت أتولى مهمة سكرتير الهيئة البرلمانية لحزب التجمع، انشغلت كثيراً بحكاية زعامة المعارضة هذه، وجاءتنى ما تصورتها وقتئذ فرصة لا تعوض.
فى حوار عابر مع أحد النواب المستقلين قال لى بمواربة: «ما تاخدونى معاكم فى الحزب»، ولم أدع الفرصة تفلت من يدى، واستدرجته إلى تفاهم جاد حول الفكرة، وصحبته إلى البهو الفرعونى حيث يجلس الأستاذ خالد محيى الدين انتظاراً لبدء جلسة مسائية، وطرحت الموضوع وأنا مزهو بنفسى، فالموضوع ليس مجرد ضم نائب للحزب، لكننى أقدم لرئيسه زعامة المعارضة على طبق من ذهب.
فجأة اختفت الابتسامة التى كانت جزءاً من ملامح الأستاذ خالد، وقال للنائب: يسعدنا انضمامك لنا، لكننى لا أملك رداً الآن، وسأعرض الموضوع على الأمانة العامة للحزب صاحبة القرار، وسأله النائب: ومتى يتم ذلك؟.. بعد ثلاثة أشهر من الآن!!.
انصرف النائب المستقل مستشعراً ما قصده خالد محيى الدين برفض قبوله عضواً فى حزب التجمع.
والتفت لى الأستاذ خالد وبلهجة حادة أقرب إلى التعنيف قال لى: «انت اتجننت.. عايز ينضم لنا واحد شتام.. فاكر إن المعارضة ردح وتطاول وقلة قيمة.. ده زى لاعب الكرة الغشيم، يجيب إجوان فى فريقه لحساب المنافس»، رددت: «أنا جايب لحضرتك زعامة المعارضة و..»، لم يمهلنى لاستكمال ما أقول «لأ انت جايب لحضرتى مصيبة.. انت حضرتك جايب للحزب قنبلة موقوتة تفجره»، وصباح اليوم التالى استدعانى الدكتور رفعت السعيد، أمين عام الحزب -رحمه الله- لمكتبه، وطلب منى الاعتذار للأستاذ خالد، الذى قال: «مش عايزك تعتذر.. بس عايزك تفهم.. النائب ده بالنسبة لى غير مريح.. وغير إنه شتام، فهو لا يحلو له الهجوم إلا وهو فى الخارج.. هو لا يعارض، لكنه يحرض الخارج على الدولة، واللى زى ده قلته أحسن».
وقبل أن أغادر سألنى الأستاذ خالد: أخبار الرد على بيان الحكومة إيه؟ وأجبت: الدكتور جودة عبدالخالق، وزير التموين الأسبق (ورئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب)، وعدنى بالانتهاء من إعداد الرد خلال أيام.
وفى مجلس الشعب شن خالد محيى الدين، ونواب «التجمع» هجوماً عنيفاً ضد الحكومة انتهى برفض بيانها.
قيمة المعارضة الوطنية الشريفة، التى تستهدف مصلحة مصر وشعبها، تمثلت فى أوضح صورها فى شخصية خالد محيى الدين، ولم يكن مستغرباً أن يحرص الرئيس السيسى على المشاركة بنفسه فى تشييع جنازته تقديراً لدوره كمعارض.