الأمن الصناعي في الأسواق: ثقافة غائبة.. ورقابة معدومة
الأمن الصناعي
الوسائل التقليدية غير كافية لتأمين المحال ضد الحرائق.. والعاملون يحتاجون "تدريباً"
«طفايات حريق، ملابس واقية، قفازات، مصادر مياه، رقابة، دورات تدريبية».. جميعها وسائل للأمن الصناعى يجب توافرها داخل الأسواق، للحد من حوادث الحرائق، التى تنشب بين حين وآخر فى عدد من الأسواق الشعبية، وأشهر تلك الأسواق «العتبة والموسكى»، حيث تنوعت أسباب الحرائق بها بين ماس كهربى وانفجار أنبوبة غاز، «الوطن» أجرت جولة داخل عدد من الأسواق الشعبية، التى تعرضت إلى حرائق من قبل، وهى أسواق «العتبة، الأزهر، المناصرة، العبور، شارع عبدالعزيز»، لرصد أدوات السلامة المهنية لدى أصحاب المحال فى تلك الأسواق، وكشفت الجولة أن هذه الأدوات اقتصرت فقط على «طفاية حريق» داخل كل محل، دون استخدامها، وأكد عدد من خبراء الأمن الصناعى والسلامة المهنية كونها غير كافية لتأمين المحال ضد الحرائق، بجانب احتياج العاملين فى هذه الأسواق إلى دورات تدريبية حول كيفية التعامل مع النيران بأنواعها، لإنماء الوعى لديهم بخطورة تلك الحوادث، وأهمية توفير أكثر من وسيلة أمان فى محالهم، وأن تكون هناك بدائل متاحة فى حال انتهاء صلاحية أى وسيلة منها.
تجار "العبور": "عندنا طفايات حريق.. لكن ما بنستعملهاش"
بمجرد أن تعبر البوابة المخصصة لبيع الخضراوات، فى سوق العبور، تقابلك سلالم كثيرة، كل منها تنقلك إلى عنبر لبيع نوع مختلف من الخضراوات الطازجة، التى تعبق رائحتها المكان.
وسط عدد كبير من «أجولة البطاطس»، وقف طارق الحلوانى، 50 عاماً، تاجر بطاطس بالسوق، مرتدياً جلباباً صعيدياً، يقول «من يوم ما وعيت على الدنيا وأنا بشتغل هنا فى السوق، لأن دى كانت شغلانة أبويا وكنت باجى معاه وأنا صغير، ولما مات أنا شيلت الشغل مكانه».
"الحلوانى": نفسنا حد يعلمنا إزاى نتعامل مع الحريق لحين وصول المطافى
وعند سؤاله عن استعداده لمواجهة أى حريق ينشب فى محله، أشار بيده إلى طفاية الحريق، التى خصص لها مكاناً أعلى جدار المحل: «اشترينا الطفاية دى من زمان، والحماية المدنية بتخلينا نغيرها كل سنة، وبندفع رسوم للتغيير، عشان تكون صالحة للاستخدام»، مضيفاً أن «تجار السوق على تواصل مع المطافى الموجودة على بعد مسافة قليلة، ونتصل بيها عند حدوث أى مشكلة»، واستطرد: «كلنا معانا رقم المطافى لما بتحصل حاجة بنكلمها بتيجى على طول، لكن مفيش حد بييجى يفهمنا نتعامل إزاى لو حصل حريق، أو نتصرف إزاى لحد ما المطافى تيجى، بنكتفى بدور رجال الإطفاء».
حرائق كثيرة شهدتها عنابر سوق العبور من قبل، يتذكرها «الحلوانى»، قائلاً: «العنبر هنا ما حصلش فيه حاجة، لكن حصل حريق فى عنبر 3 و4 قبل كده، والمطافى هى اللى جت طفتها، لكن التجار ما عرفوش يتصرفوا لوحدهم»، مشيراً إلى أن «أغلب الحرائق التى تحدث فى السوق سببها السجائر، التجار والشيالين هنا معظمهم بيشربوا سجاير، وبيرموها فى أى حتة من غير ما يطفوها، ومع الهواء بيحصل الحريق».
على بعد خطوات قليلة من محل «الحلوانى» جلس فتحى عدلى على كنبة خشبية، صعيدى له وجه نحيف، فى أوائل الخمسينات من العمر، تعود جذوره إلى محافظة سوهاج، يعمل تاجر خضار منذ 30 عاماً، يقول: «منذ عملى بالسوق اشتريت طفاية حريق، لكى تكون وسيلة أمان بالنسبة لى ولزبائنى، زى ما بخاف على نفسى وعلى بضاعتى، لازم أخاف على الزبون اللى هييجى لى، عشان كده بحاول أعمل اللى أقدر عليه، عشان أمنع المشاكل»، مشيراً إلى دور الحماية المدنية التى تتفقد السوق من حين لآخر، لكى تطمئن على وجود طفايات الحريق داخل جميع العنابر: «المطافى بييجوا يشوفوا مين فينا ما عندوش طفاية، ويطلبوا منه إنه يشتريها»، وأنهى «عدلى» حديثه قائلاً: «شايل طفاية الحريق فى المخزن، ولو حصل أى حاجة ببعت أجيبها لحد ما المطافى تيجى».
"عبدالرحمن": بنعمل أى حاجة نقدر نأمن بيها نفسنا وزباينا
أحمد عبدالرحمن، 50 عاماً، تاجر خضراوات، يقول: «بقالى 22 سنة شغال فى السوق هنا، وحصل حرايق قبل كده، بس الحمد لله كانت المطافى بتلحقها قبل ما تزيد وتسبب خساير كبيرة»، مضيفاً أنه يضع داخل محله طفاية حريق، بجانب وجود صندوق للإسعافات الأولية، ثبته «عبدالرحمن» على الحائط، ليكون قريباً منه فى حال وقوع أى حادث: «اللى بنقدر نوفره عشان نأمن نفسنا وبضايعنا بنعمله، لكن محتاجين حد يفهمنا إزاى نتعامل مع الحريق، أو أنواع الحرايق، يعنى يعرفنا إمتى نطفى بالميه وإمتى لا، عشان نقدر ننقذ الوضع عقبال ما المطافى تيجى»، وأشار «عبدالرحمن» إلى وجود عدد كبير من العاملين داخل السوق، ما بين تجار وزبائن وشيالين ما يزيد من احتمالية وقوع خسائر كبيرة «السوق هنا الحركة ما بتخلاش فيه، عشان كده بنخاف يحصل مشكلة، لأن هيكون فيها خساير كتير سواء أفراد أو بضاعة».
بين أقفاص الخضراوات المختلفة، وقف سيد عوض، ثلاثينى، والتف حوله عدد من العاملين معه، بعضهم شباب والبعض الآخر تجاوز الستين عاماً، يقول «شغال معايا ناس كتير، وفيه منهم إخواتى وأصحابى، لأن شغل السوق كتير ومحتاج أكتر من إيد».
قبل 10 سنوات، ترك سيد محافظة قنا وجاء مع والده إلى سوق العبور، للعمل فى بيع الخضراوات، يوضح «أبويا هو اللى علمنى الشغلانة دى، ولما خلصت الدبلوم اشتغلت معاه»، وتطرق للحديث عن «وسائل الأمن الصناعى» داخل محله، قائلاً: «ما عنديش غير طفاية حريق واحدة، وبغيرها كل سنة، لكن لسه لحد دلوقتى ما استخدمتهاش، لأن لما بيحصل حاجة بنكتفى بالاتصال بالمطافى»، وأشار إلى عدم وعيه وعماله وغيرهم بكيفية التعامل مع الحريق داخل السوق: «مقدرش أتعامل مع الحريق، وأنا مش عارف نتيجة تدخلى إيه، عشان كده بنخلى المطافى تعمل هى كل حاجة، لأن ده شغلها وهى أدرى بيه مننا».
"حجازى": من سنة فشلنا نطفى حريق لولا الحماية المدنية أنقذتنا
«آخر حريق حصل هنا كان من حوالى سنة، وكنا فى رمضان، بسبب أنبوبة غاز انفجرت»، بهذه الكلمات بدأ طه حجازى، 45 عاماً، أحد تجار الثوم، فى السوق منذ 15 عاماً، إذ كان يعمل بائع خضار بمنطقة روض الفرج، ثم انتقل إلى سوق العبور، يقول: «أنا من سكان روض الفرج، لكن قررت أشتغل تاجر هنا فى العبور»، مضيفاً أن المطافئ هى التى جاءت إلى موقع الحريق، وتعاملت معه، بعد أن فشلت محاولات التجار لإخماد النيران «ما قدرناش وقتها نطفى الحريق، واستنينا لحد ما المطافى جت وطفتها، ومن يومها وكل واحد هنا حريص إن يكون عنده طفاية حريق، عشان يقدر يستعملها لحد وصول المطافى».