فى عالم الطيور والسماء الرحبة الزاهية ساحرة اللون المملوءة بالأساطير والحكايات والأبطال والفرسان الذين يظهرون ويتحركون ويتقاتلون، ويعقدون اتفاقيات سلام ويتصافحون ويتحابون ويحتضنون بعضهم البعض ويمسكون بأيديهم ملائكة الحب فى صور بديعة، تعيش الطيور على تلك الارتفاعات الشاهقة بحثاً عن الوليف والدفء والأمان والعش الصغير والحب (بالفتحة على حرف الحاء) الذى يملأ البطون الصغيرة وأفواه أمهات الطيور الخضراء التى يغطى جسدها الزغب لتلقيه لصغارها، وهى تعلمنا أول دروس الحب والعطاء والحنان نحن البشر وتُلقننا دروس الذود عن الضعفاء وإخفائهم عن عيون الطامعين والصيد والقنص.
فى هذا العالم يطلقون على واحد من أعجب المشاهد المهيبة والمخيفة والصادمة وغير المتوقعة «نقطة دمع»، وهى الطريقة التى يهبط بها الصقر على فريسته، ليلتقطها وينهى حياتها فى نفس الزمن الذى تستغرقه هذه النقطة لتسقط إيذاناً ببداية البكاء المكتوم الذى حاول صاحبه إخفاءه كثيراً، ووراءه كان الوجع. ويقولون إن الصقر فى تلك الحركة الخاطفة يشبه النقطة التى تظهر بها أول دمعة من عينى المحب العاشق الولهان الذى أضناه السهر والانتظار، فيبدأ فى التعبير عن ألمه المختزن، إلا أن هناك شبهاً آخر بين الحب والصقر، فإذا كان من المعروف والمذكور فى موسوعات الطيور العلمية أن الصقور من الطيور الجارحة، وأنها تصنف كأسرع طائر فى العالم لا ينافسه أى طائر آخر فى سرعة طيرانه والتى تصل إلى ٣٨٩ كيلومتراً فى الساعة، فإن هذا ما يحدث عندما يقع أحدنا فى قصة حب، فيبدو كأنه نقطة الدمع التى تسقط من أعلى ارتفاع بتلك السرعة الجنونية إلى أحضان الحبيب وقلبه وحياته. أما أهم السمات المشتركة بين المحبين والصقر، فهى حقيقة علمية تقول إن صائد الصقور بعد نجاحه فى عملية الصيد وحصوله على أحدها، فإنه لا بد من دفن جسم الصقر بالكامل فى الرمال، ما عدا رأسه الذى يجب أن يظل فى وضع قائم للأمام وهى عملية ليست بالسهلة، ثم يُسكب الماء على جسد الصقر المختفى تحت الرمال لتهدئته. ويرجع ذلك إلى أن الصقر بعد صيده يشعر بالذل والإهانة وينعكس هذا الشعور عليه ويؤدى إلى ارتفاع وسرعة فى ضربات قلبه والتى تؤدى فى النهاية إلى أن ينفجر القلب، ومن ثم إلى الموت. وسبب آخر لدفن جسم الصقر بالكامل وهو محاولته نتف ريشه بمنقاره الحاد لإيذاء نفسه فى عملية تشبه الانتحار حزناً وكمداً على سقوطه فى الأسر، ومن المعلومات الطريفة عن صائدى الصقور أنه لا بد أن يبتعد عن صيده، لأن هذا الطائر لا ينسى مَن قام بصيده وإسقاطه ولا يُمحى ذلك من ذاكرته، ويحزن كلما نظر إليه، ومن الممكن أن يموت من شدة حزنه. وما ذُكر عن هذا الطائر الثمين القوى جميل التكوين شديد الاعتزاز بالنفس هو ما يؤكده أطباء القلب عن الإنسان، وكيف يمكن أن يؤدى الحزن لانفجار قلبه وتعمده إيذاء نفسه، إذ لا يحتمل الفشل أو الإهانة أو عدم تحقيق أحلامه أو رؤيته لمن أفقده حريته، فلنحاول ألا نكون نقطة دمع فى حياة أحبتنا ولا من صائدى القلوب، لأن خبير التنمية البشرية إبراهيم الفقى يقول: «لا تتعجب من عصفور يهرب وأنت تقترب منه وفى يدك طعام له، فالطيور عكس بعض البشر تؤمن بأن الحرية أغلى من الخبز»، كما أن هناك مثلاً شعبياً من أيسلندا يقول: «ليست كل الطيور صقوراً»، أما جبران خليل جبران، فمن أجمل ما كتب: «لا تندم على أى إحساس صادق بذلته، فالطيور لا تأخذ مقابلاً نظير تغريدها».