تناولت فى المقال السابق ضرورة الاهتمام بالصناعة، لأنها سبب تقدم الدول ورفاهية الشعوب، وهذا ليس كلامى ولكنه تجارب الدول المتقدمة، فالتصنيع يوفر فرص التشغيل وأيضاً الإنتاج الذى يصدر للخارج لجلب الأموال المطلوبة للتنمية.
فى السطور التالية سوف نتحدث عن الزراعة باعتبارها أساس الصناعة، حيث توفر لها المواد الخام بجانب أنها المصدر الرئيسى للغذاء، كما تربطها علاقات متشابكة مع معظم القطاعات الأخرى، مثل النقل والتجارة والتموين والصناعات التحويلية وغيرها، مصر دولة زراعية بالأساس، و55 مليوناً من شعبها يعملون بالزراعة وينتجون الغذاء للمائة مليون، وحضارتنا قامت على ضفاف نهر النيل وعاش المصريون حوله على مساحة ضيقة من أرضهم، رغم أن مصر أقدم دولة زراعية فى الكون إلا أنها تحولت من منتج الغذاء للعالم إلى أكبر مستورد له، وفاتورة الاستيراد تتجاوز عشرة مليارات دولار سنوياً، فعلى الأقل ننتج ما نأكل ونحن نستطيع ذلك، ومعظم دول العالم تتهافت علينا لأننا سوق كبير. الزراعة هى الماضى والحاضر والمستقبل، ومصر لديها فرصة كبيرة للانطلاق من خلال الاهتمام بالاستثمار والتصنيع الزراعى، خاصة فى مجالات الصناعات الغذائية والغزل والنسيج، لأنه ليس معقولاً أن يتم تصدير القطن خاماً ثم نستورده ملابس بعشرة أضعاف ثمنه، ونضيع على أنفسنا ملايين فرص العمل فى الغزل والنسيج، وأيضاً صناعات أخرى مرتبطة بها مثل الزيوت والأعلاف، الأمر نفسه مع الصناعات الغذائية، فبالإضافة إلى أنها تحقق قيمة مضافة للناتج القومى وتسهم فى حل مشاكل البطالة للمرأة والشباب فى المناطق الريفية الفقيرة، فإنها أيضاً تقلل نسبة الهادر والفاقد، بداية من الحصاد حتى المطبخ مع إعادة تصنيع المخلفات الزراعية، المؤسسات الدولية المعنية بالزراعة مثل «الفاو والايفاد والبنك الدولى وغيرها» تقول إن الاستثمارات الزراعية يجب ألا تقل عن 10% من إجمالى الاستثمارات الحكومية لأى دولة، لذلك أعلنت وزيرة التخطيط السبت الماضى أن الاستثمارات الكلية المستهدفة لقطاع الزراعة فى مصر بخطة عام 19 /2020 بلغت نحو 42.1 مليار جنيه، بنسبة زيادة 23٪ عن الاستثمارات المناظرة فى العام المالى الماضى 18 /2019، وهذا أمر جيد وسوف يتزايد مستقبلاً، لأن الاستثمار والتصنيع الزراعى يعظم أيضاً الاستفادة من وحدتى الأرض والمياه، وكما ذكرنا فى المقال السابق أن العائد من متر المياه فى التصنيع من 50 إلى 100 جنيه، ، بينما العائد منه فى الزراعة 5 -10 جنيهات فقط، الزراعة هى العمود الفقرى للاقتصاد الوطنى، والفلاح هو عصب الزراعة، لذلك فإن الاستثمار والتصنيع الزراعى يبدأ من الاهتمام بالفلاح الذى يعتبر أكثر فئات المجتمع إنتاجاً، وهو الذى يحمل بلده فى الأحداث السياسية ولا يفكر سوى فى العمل، وهو الفئة الوحيدة التى لم تستغل فترة الانفلات الأمنى بعد يناير 2011 للمطالبة بحقوقها، حينما كانت جميع طوائف المجتمع تتظاهر وتعتصم للمطالبة بما لا تستحق، دعم الفلاح هو دعم للغذاء الذى لا غنى عنه للشعب كله، ولذلك طالبت كثيراً بضرورة دعم مستلزمات الإنتاج الزراعى من الأسمدة والوقود والمبيدات للفلاح ومنتجى الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية، وليس فقط من أجل الاستثمار والتصنيع الزراعى ولكن أيضاً من أجل تأمين الغذاء، الذى يؤمن مستقبل بلدنا من المؤامرات الداخلية والخارجية، الزراعة والصناعة قطاع إنتاجى يبنى اقتصاداً دائماً وقوياً، وفى أيدينا، عكس السياحة والخدمات فهو اقتصاد متطاير يتحكم فيه غيرنا.