القانون مرصد أمين للسياسات. فأحكام التشريعات هى انعكاس لاستراتيجية الحكومة وترجمة لاتجاهاتها. وعلى حد تعبير أحد كبار رجال القانون والسياسة فى مصر، أستاذنا الدكتور أحمد فتحى سرور «تحدد الخيارات السياسية للدولة الأدوار التى تقوم بها، فإذا نظرنا إلى قضية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بوصفها إحدى المسئوليات الرئيسية التى تواجه المجتمعات النامية فنجد أن تحقيق هذا الهدف يتطلب من الدولة تدخلاً تشريعياً لتحديد الإطار القانونى لسياستها الاقتصادية والاجتماعية من خلال التشريع، فالهدف الأساسى لهذه السياسة لا يتحقق إلا من خلال التشريع». فالقوانين إذن تشكل مرآة صادقة لسياسات الحكومات، يمكن الاعتماد عليها فى رسم صورة واضحة عن سياسات الدول وسبر أغوار عالم السياسة وتشابكاتها وألاعيبها، بالإضافة إلى ذلك، ثمة علاقة وثيقة بين السياسة والقانون، الأمر الذى دفع بعض الجامعات الفرنسية إلى الجمع بينهما فى كلية واحدة، تحت مسمى «كلية القانون والعلوم السياسية» أو «كلية الحقوق والعلوم السياسية». وفى مصر، تجدر الإشارة إلى أن الرعيل الأول من أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية كانوا فى بداية حياتهم من أعضاء هيئة التدريس فى كلية الحقوق، وقد أنشئت كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بموجب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 91 لسنة 1959م، وقد بدأت الدراسة بالفرقتين الأولى والثانية فى العام الجامعى 1960 /1961، حيث جاء طلاب الفرقة الأولى من بين الحاصلين على الثانوية العامة عام 1960م عن طريق مكتب تنسيق القبول بالجامعات، بينما تشكلت الفرقة الثانية من بين طلاب كليتى التجارة والحقوق الذين اجتازوا السنة الأولى فيها بتقدير عام جيد على الأقل، ورغبوا فى الالتحاق بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية. وفى الثالث من أغسطس 1998م، صدر القرار الوزارى رقم 955، بإدخال بعض التعديلات على لائحة الدراسات العليا، وأهمها فتح المجال لخريجى كليات الحقوق الحاصلين على تقدير جيد جداً للقيد ببرنامج الماجستير فى العلوم السياسية.
من ناحية أخرى، وكما يقولون، فإن «القانون مرآة الواقع». فإذا كان القانون ينشأ فى بيئة اجتماعية، فإنه لا بد متأثر بها متطور معها فى تقدمها، ولذلك كان اختلافه من بيئة إلى أخرى بحسب اختلاف الظروف والحياة فيها. والسياسة بدورها هى فن الممكن، والممكن لا بد أن يكون بمراعاة الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة فى المجتمع وطبيعة العلاقات مع الدول الأخرى، فالسياسة التى تصبو إلى تغيير الوضع القائم وتدميره، ولكن دون أن تستوعب ثقافة عصرها، وتأخذ بالحسبان القوانين الموضوعية التى تحكم الوضع القائم، فإن مآلها الفشل، ولذلك، وكما قال أحد الكتاب، الأزمة الكبرى لأى عقل سياسى هى فهم الأمور ليس حسب وقائعها وحقيقتها، ولكن حسب «نوازع ورغبات» صاحبها، أزمة أى عقل سياسى أن يتجاهل واقع الأشياء ويخلق لنفسه عالماً افتراضياً مصنوعاً من نسج الخيال لا علاقة له إطلاقاً بالحقيقة على الأرض، وهكذا، يلتقى كل من القانون والسياسة فى ضرورة مراعاة الواقع وظروف المجتمع.
ومن ناحية ثالثة، فإن القانون كعمل إنسانى لا بد أن يراعى المصلحة العامة للمجتمع. وفى بحثه القيم عن «مخالفة التشريع للدستور والانحراف فى استعمال السلطة التشريعية»، حاول الفقيه القانونى الكبير، عبدالرزاق السنهورى، قياس فكرة الانحراف التشريعى على نظرية الانحراف الإدارى، مؤكداً أن المشرع يجب أن يستعمل سلطته التشريعية لتحقيق المصلحة العامة، فلا يتوخى غيرها، ولا ينحرف عنها إلى غاية أخرى، وإلا كان التشريع باطلاً. وبالمثل، ما من سياسة إلا ومبناها على المصالح؛ فالمصلحة مبدأ السياسة ووقودها الذى تشتغل به آلتها، وهى فى حكم العدم إن لم تكن مصلحة؛ إذ كل سياسة إنما هى تعبير عن مصلحة قائمة أو مطلوبة. وهكذا، تلتقى السياسة والقانون فى ابتغاء المصلحة العامة والسعى الدائم نحو تحقيقها.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن القاعدة القانونية هى قاعدة عامة مجردة، وما دام الأمر كذلك، فإن رجل القانون ينبغى أيضاً أن يتسم بالموضوعية والتجرد والنزاهة. ويصدق ذلك بوجه خاص على القاضى الذى يتعين عليه أن يتنحى عن نظر القضية إذا وجد فى نفسه ميلاً أو انحيازاً إلى أحد الخصوم. ولا شك أن التجرد والنزاهة والبعد عن الشبهات هى أهم صفات السياسى الناجح.
إن القانون والسياسة يلتقيان فى العديد من الأمور، وهو ما يجعلنا نؤكد أن الدراسة القانونية هى أحد العوامل المساعدة على النجاح فى العمل السياسى. والله من وراء القصد.