لا يمر يوم بل لا تمر ساعة إلا وهناك إضافة للتنمية فى مصر بكافة أشكالها وصورها.. تنمية اقتصادية وبشرية على السواء.. ولكن لأن مصر ليست ككل البلاد تبقى دائماً فى دوائر الاستهداف المباشر وغير المباشر لذا لن يترك أعداء مصر أن يتم إعادة بناء بلدنا من جديد.. ومن لا يستطيع إيقاف المسار فى مصر الآن يمكنه أن يفعل أمرين.. إما التربص بمصر إلى حين اللحظة المناسبة له لإفشال وإيقاف ما يجرى على أرضها، أو العبث بالمستقبل الذى يبنى ويستعد له الرئيس السيسى!
الأمر جد خطير.. بل خطير جداً.. فقد كنت خارجاً من إحدى القنوات الأجنبية بعد حوار حول تسليح الجيش العظيم عندما استوقفنى أحد الأصدقاء يعمل بالمكان ليفتح ملف حروب الجيل الرابع وليقول إنه يعلم اهتمامنا بهذا الملف ولكنه قال مباغتاً: «لم يعد الأمر قاصراً على الفيس بوك وتويتر.. ولا يوتيوب وغيره.. لحظة سأريك بعض التطبيقات الموجودة خلاف ذلك»، قلت: أعرف التطبيقات.. قال: «لا.. لحظة واحدة»، ثم كانت الصدمة.. تطبيقات جديدة غير التى نعرفها ويبدو أنها حديثة للغاية.. وجود كبير لشباب وأطفال مصر بشكل لم نتوقعه على الإطلاق.. أغلب التطبيقات لا تناقش أو تقدم شيئاً مفيداً.. بل تتراوح بين التفاهة والخلاعة.. بعضها من شروطه بل تقوم فكرته الأساسية على تسجيل فيديوهات للمشترك.. الذى يدخل فى سباق مع الآخرين على الأعلى تأثيراً ولفتاً للأنظار، وبالتالى الأكثر مشاهدة، وبالتالى الأكثر دعماً من الموجودين، وهذا لا يتم إلا بمزيد من تقديم ما يجذب المتابعين، وطبعاً لا يتم ذلك إلا من خلال الابتذال والهيافة مع تحابيش من الخلاعة كلما أمكن ذلك!
يقول صديقى: «بعض التطبيقات تمنح خاصية البحث عن أقرب أصدقاء للعضو جغرافياً.. وقد استخدمت الخاصية ففوجئت بعدد كبير قريب من مسكنى»!
كلام الصديق العزيز يؤكد مدى الانتشار الواسع لمثل هذه التطبيقات التى تشجع أعضاءها بمنحهم أموالاً مقابل فيديوهاتهم، وعندما نجد إحداهن وقد حصل تسجيل لها حتى تاريخه على ما يقرب من مليون إعجاب أو مشاهدة من داخل التطبيق الواحد علينا أن نتخيل حجم المتابعة فى تطبيق واحد يقدم عليه أعضاؤه آلاف الفيديوهات الأخرى التى تكون على الغناء بالفيديو على صوت أغنية شهيرة صاخبة ومتدنية الذوق فى أغلب الأحيان أو أداء مشهد تمثيلى على لقطة شهيرة تحمل إسفافاً أو سخرية غير مقبولة أو عرياً لا نقبله ولا تقبله الفطرة السوية وبالتالى لا تقبله الأغلبية العظمى من شعبنا!
أغلب هذه التطبيقات موجودة على أجهزة المحمول وعندما نتذكر أن عدد أجهزة المحمول فى مصر تكاد تقترب من ضعف عدد السكان ندرك أن تقريباً أغلب الأسر المقتدرة وشبه المقتدرة قد اشترت لأبنائها محمولاً وربما أكثر.. وبالتالى لا يوجد مانع يحول بين ارتباط أطفال وصبايا وصبية وشباب وشابات مصر بهذه التطبيقات والبرامج وغالباً بعيداً عن أعين ورقابة الأهل.. ولم يعد الأمر مقتصراً على التطبيقات والبرامج المخيفة أو العدوانية أو العنيفة التى تنتهى بأصحابها بالانتحار أو بالجريمة أو بالأمراض النفسانية!
بالطبع إذا استمر الحال كذلك ستكون لدينا بعد عدة سنوات أجيال مشوهة ضائعة، فى حين لم ننجح حتى اللحظة فى إنقاذ أجيال لم تلق الاهتمام الكافى خلال إهمال أربعين عاماً بغير تعليم حقيقى ولا إعلام مناسب ولا رعاية صحية ورياضية تليق بطاقاتهم.. بما جعل أغلب هؤلاء لا يعرفون شيئاً عن تاريخ بلدهم ولا على أبطاله ولا رموزه ويعرفون عن نجوم الكرة والفن مع كامل الاحترام لهم أكثر مما يعرفون عن إبراهيم الرفاعى وأحمد حمدى وباقى زكى يوسف!
بل المدهش أن الكثيرين يعرفون نجوم الكرة والسينما العالمية أكثر من هؤلاء الشهداء الأبرار.. الذين دفعوا أرواحهم لينعم هؤلاء بالحياة ثم الاستفادة من منتجات التكنولوجيا والعلم وللأسف فى الطريق الخاطئ!
وعندما يتم وضع هذا الذى يجرى مع ما نبهنا منه من قبل وهو التعليم الأجنبى المتعدد الذى لا بأس به نظرياً.. لكنه عملياً سينتج بعد سنوات أجيالاً لغتها العربية إن لم تكن اللغة الثانية ستكون محل إهمال من أصحابها، فضلاً عن ارتباط خريجى هذه المدارس، التى سيذهبون منها إلى الجامعات ذات الامتداد، بآداب وثقافة وموسيقى وأدباء ونجوم وفنانى الدول التى يدرسون فى مدارسها وجامعاتها، وبالتالى المجتمع الواحد المتماسك بفعل النيل ومركزية السلطة ووعى الأجيال السابقة سيتفتت إلى عدة مجتمعات لكل منها لغتها وثقافتها!
يحدث كل ذلك بينما يحدث فى بلادنا كل المتناقضات.. رئيس يبنى ويعمّر برؤية طويلة الأمد بعيدة النظر دون استعجال عائد ما يصنع، وجدل لا يتوقف حول التعليم لم يحسم بعد، ووزير مخلص للتعليم أنهكه الجدل والجدال، وحكومة تستقطع الشائعات جزءاً من مجهودها للرد عليها والاشتباك معها، وبيوت تستقبل قنوات للأطفال من الخارج، وفوضى غير مسبوقة على شبكات التواصل، ووسط رياضى يعج بالصراع، وشارع غير منضبط يستقبل كل يوم جرائم غريبة عنه وعن تقاليده، وأمن يتحمل أعباء وتبعات كل ذلك، وجيش يحمى البلاد يضيف لنفسه ولنا معه ثقلاً كل يوم!
بينما لا تتوقف المؤامرة على مصر من الخارج ومن أتباع الخارج فى الداخل فى حين تتفرج مؤسسات ومجالس عليا على كل ما يحدث تواجه بغير عمق وتتصدى بعيداً عن أسس وجذور الظواهر والأزمات! وهنا يبرز السؤال: ما الحل؟ الحل فى برنامج مواجهة شامل يتصدى لحروب الجيل الرابع علمياً يكون من مهامه التنسيق بين جهود مختلف الوزارات التى ستحتاج فى لحظات عديدة لقرارات جمهورية وتشريعات جديدة ستصدر حتماً.. فحماية الوطن وأبنائه ومستقبلهم فوق كل اعتبار.. أو هكذا ينبغى!